للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن دقيق العيد: المنزّهون لله، إما ساكتٌ عن التأويل، وإما مؤوّلٌ، والثاني يقول: المراد بالغيرة المنع من الشيء، والحماية، وهما من لوازم الغيرة، فأُطلقت على سبيل المجاز؛ كالملازمة، وغيرها، من الأوجه الشائعة في لسان العرب. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا بعض ما قاله من أوَّل الغيرة الثابتة لله تعالى في هذا الحديث وغيره، ولا شكّ أن التأويل غير مقبول؛ لأنه مخالف لمنهج السلف؛ فإن منهجهم، وهو الحقّ الذي لا مرية فيه، والصواب الذي لا خطأ فيه أن يُثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحاديثه الصحيحة، على ظاهره، على ما يليق بجلاله تعالى، دون تأويل، ولا تعطيل، ودون تشبيه، ولا تمثيل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، فيؤمنون بأن لله تعالى غيرةً تليق بجلاله، وغضبًا، ورضا، ومحبّة، ونزولًا، واستواء، وغير ذلك، مما صحّ في النصوص الصحيحة، على ما يليق بجلاله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.

وقد أجاد الشيخ عبد الرَّحمن بن ناصر البرّاك حيث كتَب ردًّا على قول ابن دقيق العيد المذكور، فقال: قول ابن دقيق العيد: المنزِّهون لله … إلخ يريد ابن دقيق العيد بالمنزِّهين نُفاة حقائق كثيرة من الصفات؛ كالمحبّة، والرضا، والضحك، والفرح، والغضب، والكراهة، والغيرة، وأنهم في نصوص هذه الصفات طائفتان: إما مفوّضة، وإما مؤوّلة، وهذا يصدق على الأشاعرة ونحوهم، فإنهم ينفون هذه الصفات، ويوجبون فيما نفوه إما التفويض، وإما التأويل المخالف لظاهر اللفظ، وإطلاق لفظ المنزِّهة عليهم يستلزم أن من يُثبت هذه الصفات مشبّه، وكذلك يسمُّون المثبتين لسائر الصفات - وهم أهل السنّة - مشبّهة، كما أن الجهميّة، والمعتزلة يسمّون المثبتين لبعض الصفات؛ كالأشاعرة مشبّهةً.

والحقّ أن المنزّهة على الحقيقة هم أهل السنّة والجماعة الذين أثبتوا لله تعالى جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنّة، ونزّهوه عن مماثلة المخلوقات، فتسمية النُّفاة منزّهة، والمثبتين لها مشبّهةً من المغالطات، وتسميةِ


(١) راجع: "الفتح" ١٧/ ٣٨٢ "كتاب التوحيد" رقم (٧٤١٦).