للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا … وَإِنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبْ فَخَلْ (١)

وقال الماورديّ وغيره: ليس قول سعد هذا ردًّا لقول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا مخالفة منه لأمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما معناه إخبارٌ عن حالة الإنسان عند رؤيته الرجل عند امرأته، واستيلاء الغضب عليه، فإنه حينئذ يعاجله بالسيف، وإن كان عاصيًا. انتهى (٢).

وقال الحافظ ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يريد - والله أعلم - أن الغيرة لا تبيح للغَيُور ما حُرِّم عليه، وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله تعالى، ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن لا يتعدى حدوده، فالله تعالى ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أغير، ولا خلاف علمته بين العلماء فيمن قَتَل رجلًا، ثم ادَّعَى أنه إنما قتله؛ لأنه وجده مع امرأته بَيْن فخذيها، ونحو ذلك من وجوه زناه بها، ولم يُعْلَم ما ذُكر عنه إلَّا بدعواه؛ أنه لا يُقبَل منه ما ادَّعاه، وأنه يُقْتَل به، إلَّا أن يأتي بأربعة شهداء، يشهدون أنهم رأوا وطأه لها، وإيلاجه فيها، ويكون مع ذلك مُحْصَنًا مُسلمًا بالغًا، أو من يحل دمه بذلك، فإن جاء بشهداء يشهدون له بذلك نجا، وإلا قُتل، وهذا أمر واضح، لو لَمْ يجئ به الخبر لأوجبه النظر؛ لأن الله حرّم دماء المسلمين تحريمًا مطلقًا، فمن ثبتٌ عليه أنه قَتَل مسلمًا، فادَّعَى أن المسلم قد كان يجب قتله، لَمْ يُقبل منه دفع القصاص عن نفسه، حتى يتبين ما ذُكر، وهكذا كلّ من لزمه حقّ لآدمي لَمْ يقبل قوله في المَخرج منه، إلَّا ببينة تشهد له بذلك. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٣)، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: قصّة سعد بن عُبادة - رضي الله عنه - هذه ساقها الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - في "مسنده" من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، فقال ١/ ٢٣٨:

(٢١٣١) - حدّثنا عبد الله (٤)، حدّثني أبي، ثنا يزيد، أنا عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤]، قال سعد بن


(١) "المفهم" ٤/ ٣٠٤.
(٢) "شرح النوويّ" ١٠/ ١٣١.
(٣) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٢١/ ٢٥٦.
(٤) هو ابن الإمام أحمد، راوي "المسند" عنه.