(قَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا؛ أيقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَا") أي: لا يحلّ له أن يقتله (قَالَ سَعْدٌ: بَلَى، وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ) أي: بلى ليقتلنّه، كما قال في الرواية الآتية:"قال: كلّا، والذي بعثك بالحقّ إن كنتُ لأعاجله بالسيف قبل ذلك".
قال الخطّابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يُشبه أن تكون مراجعة سعد - رضي الله عنه - للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَمَعًا في الرخصة، لا ردًّا لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما أبى ذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنكر عليه قوله سكت، وانقاد، ومما يدلّ على ذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عند أحمد، واللفظ له، وأبي داود، والحاكم: لَمّا نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية قال سعد بن عبادة: أهكذا أُنزلت؟ فلو وجدت لَكَاعِ متفخذها رجل لَمْ يكن لي أن أُحَرِّكه، ولا أُهيجه حتى آتي بأربعة شهداء؟ فوالله لا آتي بأربعة شهداء، حتى يقضي حاجته، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ "، قالوا: يا رسول الله لا تَلُمْه، فإنه رجل غَيور، والله ما تزوّج امرأة قط إلَّا عذراء، ولا طلّق امرأةً، فاجترأ رجل منا أن يتزوجها، من شدّة غيرته، فقال سعد: والله إني لأعلم يا رسول الله أنَّها لحقّ، وإنها من عند الله، ولكني عَجِبْتُ.
(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسْمَعُوا إلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ") عَدّى السمع بـ "إلى" لتضمّنه معنى الإصغاء؛ أي: اسمعوا مصغين إلى قوله، ولعل الحاضرين كانوا من الخزرج، وكان سعد وجيهًا في الأنصار، ذا رياسة وسيادة، كما تقدّم آنفًا في ترجمته، وفي ذكر السيّد هنا إشارة إلى أن الغيرة من شيمة كرام الناس، وساداتهم.
وقال ابن الأنباريّ وغيره: السيّد هو الذي يفوق قومه في الفخر، قالوا: والسيد أيضًا الحليم، وهو أيضًا حَسَنُ الخلق، وهو أيضًا الرئيس، ومعنى الحديث: تعجبوا من قول سيِّدكم.
وقال القرطبيّ بعد نقل قول ابن الأنباريّ:"السيّد هو الذي يفوق قومه في الفخر"، ما نصّه:
قلت: وذلك لا يكون حتى يجتمع له من خصال الشرف والفضائل والكمال ما يُبَرِّز بها عليهم، ويتقدّمهم بسببها، كما قال [من المتقارب]: