للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أو آخر تطليقات، على ما سيأتي تفسيره، وقد جاء في آخر الكتاب في حديث الجسّاسة لفظ يوهم أنه مات عنها، وليس هذا على ظاهره، أو يكون وَهَمًا من راويه، وقد تكلّمنا عليه بما يُستغرب هناك، فانظره. انتهى كلام القاضي رحمه الله (١).

وقال في "الفتح": واتفقت الروايات عن فاطمة بنت قيس على كثرتها عنها أنها بانت بالطلاق، ووقع في آخر "صحيح مسلم" في حديث الجسّاسة عن فاطمة بنت قيس: "نَكَحْتُ ابنَ المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما تأيّمتُ خطبني أبو جهم … " الحديث، وهذه الرواية وَهَمٌ، ولكن أوّلها بعضهم على أن المراد بقولها: "أصيب" أي: مات على ظاهره، وكان في بعث عليّ إلى اليمن، فيصدق أنه أُصيب في الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: في طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يلزم من ذلك أن تكون بينونتها منه بالموت، بل بالطلاق السابق على الموت، فقد ذهب جمع جمّ إلى أنه مات مع عليّ باليمن، وذلك بعد أن أرسل إليها بطلاقها، فإذا جُمع بين الروايتين استقام هذا التأويل، وارتفع الوهم، ولكن يَبْعُد بذلك قول من قال: إنه بقي إلى خلافة عمر - رضي الله عنه -. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قولها: "طلقها البتة" هذا هو الصحيح: أنه طلَّقها عند جميع الحفاظ، وسيأتي في حديث الجسَّاسة لفظٌ يوهم: أنه مات عنها، وله تأويل يأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى - ويعني بالبتة: آخر الثلاث تطليقات، كما جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى، لا أنه أوقع عليها لفظ البتة، وإنما سَمَّى آخر الثلاث البتة؛ لأنها طلقة تَبُتُّ العصمة، ولا تُبْقي منها شيئًا، ولما كملت بهذه الطلقة الثلاث عَبَّر عنها بعض الرواة بالثلاث، والرواية المفضَّلة قاضيةٌ على غيرها، وهي الصحيحة. انتهى (٣).

وقوله: (الْبَتَّةَ) منصوب على المفعوليّة المطلقة، يقال: بَتّه بَتًّا، من بابي ضرب، وقتل: قَطَعه، وفي المطاوع: فانبتّ، كما يقال: فانقطع، وانكسر،


(١) "إكمال المعلم" ٥/ ٤٨ - ٤٩.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٥٩٩.
(٣) "المفهم" ٤/ ٢٦٧.