٨ - (ومنها): أنه استدل به النوويّ على رَدّ الفرع الذي ذكره الرافعيّ فيمن رأى كافرًا أسلم، فأُكرِم إكرامًا كثيرًا، فقال: ليتني كنت كافرًا لأكرم، وقال الرافعيّ: يكفر بذلك، وردّه النووي: بأنه لا يَكفُر؛ لأنه جازمُ الإسلام في الحال والاستقبال، وإنما تَمَنَّى ذلك في الحال الماضي مُقَيِّدًا له بالإيمان؛ ليتم له الإكرام، واستَدَلَّ بقصة أسامة - رضي الله عنه -، ثم قال: ويمكن الفرق. انتهى.
٩ - (ومنها): ما قاله ابن بطال رحمه الله تعالى: إن هذه القصة كانت سبب حلف أسامة - رضي الله عنه - أن لا يقاتل مسلمًا بعد ذلك، ومن ثَمَّ تَخَلَّف عن علي - رضي الله عنه - في الْجَمَل وصِفِّين. انتهى.
١٠ - (ومنها): أن القرطبي قال: فيه دليلٌ لأهل السنّة على أن حديث النفس كلام وقولٌ، فهو ردّ على من أنكر ذلك من المعتزلة، وأهل البِدَعِ. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: استدلال القرطبيّ بهذا الحديث على إثبات الكلام النفسيّ، إن أراد به ما أراده المتكلّمون من أن المراد بكلام الله تعالى هو الكلام النفسيّ، وأما الكلام اللفظيّ فهو عبارة عن النفسيّ، وهو مذهب الأشاعرة وغيرهم من أهل الكلام، فهذا مذهبٌ باطل منابذٌ لنصوص الكتاب والسنّة التي هي صريحة في إثبات الكلام اللفظيّ، كقوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}[التوبة: ٦] الآية، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف "(١)، وغير ذلك من النصوص، وقد استوفيت البحث في هذه المسألة في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها"، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فيما قاله العلماء في عدم ذكر وجوب القصاص والدية والكفّارة على أسامة - رضي الله عنه - في هذا الحديث:
قال النوويّ رحمه الله تعالى: أما كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب على أسامة قصاصًا، ولا ديةً، ولا كفارةً، فقد يُسْتَدل به لإسقاط الجميع، ولكن الكفارة
(١) حديث صحيحٌ، أخرجه الترمذيّ في "جامعه" (٢٨٣٥) بإسناد صحيح.