على المائدة لا ينبغي أن يقعد، وإن لم يكن مُقتدًى؛ لقوله تعالى:{فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأنعام: ٦٨]، قال: وهذا كله بعد الحضور، ولو عَلِم قبل الحضور لا يحضر؛ لأنه لم يلزمه حقّ الدعوة، بخلاف ما إذا هُجِم عليه؛ لأنه قد لزمه. انتهى.
والوجه الثاني لأصحابنا: أنه يحرم الحضور؛ لأنه كالرضى بالمنكر، وإقراره، وبه قال المراوزة، وهو الصحيح، وإذا قلنا به: فلم يَعْلَم حتى حضر نهاهم، فإن لم ينتهوا فليخرج، والأصح تحريم القعود، إلا أن لا يمكنه الخروج، بأن كان في الليل وخاف، فيقعد كارهًا، ولا يستمع، وعلى هذا الوجه الثاني جرى الحنابلة، قالوا: فإن عَلِم بالمنكر، ولم يره، ولم يسمعه، فله الجلوس، وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر، وقال ابن عبد البرّ: قال مالك، وابن القاسم: أما اللهو الخفيف مثل الدّفّ، فلا يرجع، وقال أصبغ: أرى أن يرجع، قال: وقد أخبرني ابن وهب عن مالك، أنه لا ينبغي لذي الهيئة أن يحضر موضعًا فيه لَعِبٌ، ثم حَكَى ابنُ عبد البر الفرق بين المقتدى به وغيره عن محمد بن الحسن، والأصل في هذا الباب امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من دخوله بيته لَمَّا رأى فيه نُمْرُقة فيها تصاوير، وهو في "الصحيح" من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وبَوَّب عليه البخاريّ - رحمه الله -: "بابٌ هل يرجع إذا رأى منكرًا في الدعوة"، قال: ورأى ابن مسعود سورة في البيت فرجع، ودعا ابنُ عمر أبا أيوب، فرأى في البيت سِتْرًا على الجدار، فقال ابن عمر: غَلَبنا عليه النساء، فقال: مَن كنتُ أخشى عليه، فلم أكن أخشى عليك، والله لا أَطْعَم لكم طعامًا فرجع.
[عاشرها]: أن لا يدعوه من أكثر ماله حرام، فمن هو كذلك تكره إجابته، فإن عَلِمَ أن غير الطعام حرام حَرُمت، وإلا فلا، قال المتولي في "التتمة": فإن لم يعلم حال الطعام، وغلب الحلال لم يتأكد الإجابة، أو الحرام، أو الشبهة كُرِهت.
[حادي عشرها]: قال إبراهيم المروزيّ من الشافعيّة: لو دعته أجنبية، وليس هناك مَحْرم له، ولا لها، ولم تَخْلُ به، بل جلست في بيت، وبعثت بالطعام إليه مع خادم إلى بيت آخر من دارها، لم يجبها؛ مخافةَ الفتنة، حكاه