للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

زَوَّجْنَاكَهَا} الآية [الأحزاب: ٣٧]، ولما أعلمه الله تعالى بذلك دخل عليها بغير وليّ، وتجديد عقد، ولا تقرير صداق، ولا شيء مما يكون شرطًا في حقنا، ومشروعًا لنا، وهذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - اللاتي لا يشاركه فيها أحد بإجماع المسلمين. قاله القرطبيّ - رحمه الله - (١).

(فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا) - بفتح الجيم، وكسرها -؛ أي: موضع صلاتها من بيتها لتصلّي صلاة الاستخارة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان علّمها ذلك، كما في "صحيح البخاريّ" من حديث جابر - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلّمنا السورة من القرآن. . ." الحديث. قال النوويّ: ولعلّ استخارتها؛ لخوفها من التقصير في حقّه - صلى الله عليه وسلم -.

(وَنَزَلَ الْقُرْآنُ) يعني: قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الآية [الأحزاب: ٣٧] (وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ)؛ أي: بغير إذن منها؛ لأن الله تعالى زوّجه إياها بهذه الآية الكريمة (قَالَ: فَقَالَ) أنس (وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا)؛ أي: معاشر الصحابة - رضي الله عنهم - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَطْعَمَنَا الْخُبْزَ، وَاللَّحْمَ، حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ)؛ أي: ارتفعت شمسه (فَخَرَجَ النَّاسُ) المجتمعون للأكل بعد انتهاء الأكل (وَبَقِيَ رِجَالٌ) وفي رواية: "وبقي ثلاثة رهط"، وفي رواية: "فلما رجع إلى بيته رأى رجلين"، قال الحافظ: ويُجمع بين الروايتين بأنهم أول ما قام، وخرج من البيت كانوا ثلاثة، وفي آخر ما رجع توجه واحد منهم في أثناء ذلك، فصاروا اثنين، وهذا أولى من جزم ابن التين بأن إحدى الروايتين وهم، وجوَّز الكرمانيّ أن يكون التحديث وقع من اثنين منهم فقط، والثالث كان ساكتًا، فمن ذكر الثلاثة لحظ الأشخاص، ومن ذكر الاثنين لحظ سبب القعود، قال: ولم أقف على تسمية أحد منهم. انتهى (٢).

وقوله: (يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ الطَّعَامِ) جملة في محلّ رفع صفة لـ "رجال" (فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) من البيت؛ لكي يخرجوا إذا رأوا خروجه، وإنما لم يأمرهم بالخروج؛ لشدّة حيائه، ففي رواية للبخاريّ: "وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شديد الحياء، فخرج منطلقًا نحو حجرة عائشة"، وفي رواية: "رأى رجلين


(١) "المفهم" ٤/ ١٤٧.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٥١١.