جرى بهما الحديث، فلما رآهما رجع عن بيته، فلما رأى الرجلان نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - رجع عن بيته وثبا مسرعين".
قال الحافظ: ومحصل القصة أن الذين حضروا الوليمة جلسوا يتحدثون، واستحيى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرهم بالخروج، فتهيأ للقيام؛ ليفطنوا لمراده، فيقوموا بقيامه، فلما ألهاهم الحديث عن ذلك قام، وخرج، فخرجوا بخروجه، إلا الثلاثة الذين لم يفطنوا لذلك؛ لشدة شغل بالهم بما كانوا فيه من الحديث، وفي غضون ذلك كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يقوموا من غير مواجهتهم بالأمر بالخروج؛ لشدة حيائه، فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على نسائه، وهم في شغل بالهم، وكأن أحدهم في أثناء ذلك أفاق من غفلته، فخرج، وبقي الاثنان، فلما طال ذلك، ووصل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله، فرآهما، فرجع، فرأياه لما رجع، فحينئذ فَطِنا، فخرجا، فدخل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنزلت الآية، فأرخى الستر بينه وبين أنس خادمه أيضًا، ولم يكن له عهد بذلك. انتهى (١).
قال أنس (وَاتَّبَعْتُهُ، فَجَعَلَ)؛ أي: أخذ، وشرع (يَتَتَبَّعُ حُجَرَ) - بضمّ، ففتح - جمع حُجرة؛ أي: بيوت (نِسَائِهِ) - صلى الله عليه وسلم -، والحال أنه (يُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ، وَيَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟) وفي رواية: "فخرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: السلام عليكم"، في رواية: "ثم خرج إلى أمهات المؤمنين، كما كان يصنع صبيحة بنائه، فيسلم عليهنّ، ويسلّمن عليه، ويدعو لهنّ، ويدعون له"، وفي رواية: "إنهن قلن له: كيف وجدت أهلك، بارك الله لك".
(قَالَ) أنس (فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا، أَوْ أَخْبَرَنِي؟) ووقع في رواية: "فانطلقت، فجئت، فأخبرت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنهم انطلقوا"، قال في "الفتح": هكذا وقع الجزم في هذه الرواية بأنه الذي أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بخروجهم، وكذا في رواية الجعد، واتفقت رواية عبد العزيز، وحميد على أن أنسًا كان يشكّ في ذلك، ولفظ حميد: "فلا أدري أنا أخبرته بخروجهما، أم أُخبِر"، وفي رواية عبد العزيز، عن أنس: "فما أدري أخبرته، أو أُخبر"، وهو مبني للمجهول؛ أي: أُخبر بالوحي، وهذا الشك قريب من شك أنس في تسمية الرجل الذي سأل الدعاء