للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وجمهور علماء المدينة، يقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَنكح ميمونة إلا وهو حلالٌ، وما أعلم أحدًا من الصحابة رُوي عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - نكح ميمونة، وهو محرم إلا ابن عباس (١)، وحديثه بذلك صحيحٌ ثابتٌ من نكاح ميمونة، إلا أن يكون متعارضًا مع رواية غيره، فيسقط الاحتجاج بكلام الطائفتين، وتُطلب الحجة من غير قصّة ميمونة، وإذا كان كذلك، فإن عثمان بن عفّان قد روى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن نكاح المحرم، وقال: "لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح"، ولا معارض له؛ لأن حديث ابن عبّاس في نكاح ميمونة قد عارضه في ذلك غيره.

ثم أخرج أبو عمر بسنده عن يزيد بن الأصمّ، قال: حدّثتني ميمونة ابنة الحارث: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوّجها، وهو حلالٌ"، قال يزيد: كانت خالتي، وخالة ابن عبّاس.

وروى حمّاد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مِهران، عن يزيد بن الأصمّ، عن ميمونة، قالت: تزوّجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسرِف، وهما حلالان بعدما رجعا من مكّة. وذكر عبد الرزّاق، قال: أخبرني معمر، عن الزهريّ، قال: أخبرني يزيد بن الأصمّ: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تزوّج ميمونة حلالًا.

قال أبو عمر: قد نقل قومٌ حديث يزيد بن الأصمّ مرسلًا؛ لظاهر رواية الزهريّ، وليس كما ظهر، إلا رواية الزهريّ، فحُملت للتأويل، وجاز لمن أخبرته ميمونة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تزوّجها حلالًا أن يُخبر بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوّج ميمونة حلالًا، يُحدّث به هكذا وحده، يقول: حدّثتني ميمونة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوّجها حلالًا.

على أنهم يلزمهم مثله في حديث ابن عبّاس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوّج ميمونة، وهو محرم"؛ لأنه ليس فيه أن ميمونة أخبرته، وموضع ابن عبّاس من ميمونة بموضع يزيد بن الأصمّ سواء. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله - (٢).

وقال في "الفتح": قال الأثرم: قلت لأحمد: إن أبا ثور يقول: بأيّ شيء


(١) سيأتي في التنبيه الآتي أنه جاء مثله عن عائشة، وأبي هريرة - رضي الله عنهما -، ولعل الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - لم يعتدّ بهما؛ لأن فيهما مقالًا سيأتي بيانه، فتنبّه.
(٢) "الاستذكار" ١١/ ٢٥٩ - ٢٦٢.