المخصوص بزمانه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو يعم كل مُدّ تعارفه أهل المدينة في سائر الأعصار، زاد أو نقص، وهو الظاهر؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أضافه إلى المدينة تارةً، وإلى أهلها أخرى، ولم يضفه إلى نفسه الزكية، فدل على عموم الدعوة، لا على خصوصه بمدّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كما أفاده بعض العلماء. انتهى.
قال المباركفوريّ: وإلى الخصوص يظهر ميل البخاريّ حيث ترجم على حديث أنس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم، ومدّهم"، بلفظ:"باب بركة صاع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ومدّه". انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن ما سبق عن الزرقانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- من عموم دعوته -صلى اللَّه عليه وسلم- لصاع أهل المدينة ومدّهم في سائر الأعصار، هو الظاهر؛ للنصوص الكثيرة الدالّة على العموم، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
(اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ) -عَلَيْهِ السَّلَام- (عَبْدُكَ) كما قال اللَّه تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} الآية [ص: ٤٥](وَخَلِيلُكَ) كما قال اللَّه تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء: ١٢٤](وَنَبِيُّكَ) كما قال اللَّه تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١)} [مريم: ٤١](وَإِنِّي عَبْدُكَ) كما قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} الآية [الإسراء: ١](وَنَبِيُّكَ) كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥)} [الأحزاب: ٤٥].
[فائدة]: قيل: إنما لم يقل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- "وخليلك"، مع أنه خليلٌ، كما صرّح به في أحاديث عدة؛ رعايةً للأدب في ترك المساواة بينه وبين أبيه إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام-.
وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وإنما لم يذكر الخلّة لنفسه، مع أنه أيضًا خليل اللَّه تعالى، على ما دلّ عليه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في باب مناقب أبي بكر:"وقد اتخذ اللَّه صاحبكم خليلًا"، رواه مسلم؛ رعاية للأدب في ترك المساواة بين نفسه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبين أبيه إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام-، قال: وفي عدم تصريحه به مع رعاية الأدب تنبيه على تنويهه، وجلالة شأنه، وأنه أرفع درجةً، وأعظم قدرًا، ونحوه قوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}