[البقرة: ٢٥٤]: الظاهر أنه أراد محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله، وإعلاء قدره ما لا يخفى؛ لِما فيه من الشهادة على أنه الْعَلَمُ الذي لا يشتبه، والمتميّز الذي لا يلتبس، وسئل الحطيئة عن أشعر الناس فذكر زهيرًا، والنابغة، ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث، أراد نفسه، ولو صَرَّح به لم يُفْخِّم أمره. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحث نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.
(وَإِنَّهُ)؛ أي: إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- (دَعَاكَ لِمَكَّةَ)؛ أي: بقوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم: ٣٧](وَإِنِّي أَدْعُوكَ)؛ أي: أطلب منك (لِلْمَدِينَةِ، بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ") بجرّ "مثله"، هكذا هو مضبوط في النسخ بضبط القلم، ويَحْتَمل أن يكون بالرفع مبتدأ، والظرف خبره، والجملة في محلّ نصب على الحال؛ أي: والحال أن مثل ذلك المثل مَعَهُ.
وفي الرواية التالية: "اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدّنا، وفي صاعنا بركةً مع بركة".
وحاصل المعنى: أدعوك بضُعف ما دعا به إبراهيم، وقد تقدّم في حديث أنس -رضي اللَّه عنه- قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم اجعل بالمدينة ضُعفي ما جعلت بمكة من البركة"، متّفقٌ عليه.
قال القاضي أبو محمد: في هذا دليل على فضل المدينة على مكة؛ لأن تضعيف الدعاء لها إنما هو لفضلها على ما قصر عنها.
وقال الباجيّ: والذي عندي أن وجه الدليل من ذلك أن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- دعا لأهل مكة بما يختص دنياهم، فقال:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}[البقرة: ١٢٦]، وأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا لأهل المدينة بمثل ذلك، ومثله معه، فيَحْتَمِل أن يريد به، وبدعاء آخر معه، وهو لأمر آخرتهم، فتكون الحسنات تضاعف للمدينة بمثل ما تضاعف بمكة، فإنما معنى فضيلة إحدى البقعتين على الأخرى في تضعيف الحسنات.
ويَحْتَمِل أن يريد أن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- أيضًا دعا لأهل مكة بأمر آخرتهم،