مرّة ونصفًا، وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته -صلى اللَّه عليه وسلم- وقبولها. انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس الكيل في المدينة، بحيث يكفي المدّ في المدينة لمن لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها.
قال الطيبيّ: ولعل الظاهر هو قول عياض: "أو لاتساع عيش أهلها. . . إلخ"؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لمكة"، ودعاء إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- هو قوله:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم: ٣٧]، يعني: وارزقهم من الثمرات بأن تُجلَب إليهم من البلاد، لعلهم يشكرون النعمة في أن يُرزقوا أنواع الثمرات في وادٍ ليس فيه نجم، ولا شجر، ولا ماء، لا جرم أن اللَّه أجاب دعوته، فجعله حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه، ولعمري إن دعاء حبيب اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استجيب لها، وضأعف خيرها على غيرها، بأن جلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض ومغاربها، من كنوز كسري، وقيصر، وخاقان ما لا يحصى ولا يحصر، وفي آخر الأمر يَأْرِز الدين إليها من أقاصي الأرض، وشاسع البلاد، ويَنصُر هذا التأويل قوله في حديث أبي هريرة:"أُمرت بقرية تأكل القرى"، ومكة أيضًا من مأكولها. انتهى.
وقال الباجيّ: يَحْتَمِل أن يريد بالبركة بركة الدنيا والآخرة، ففي الدنيا أن يكون الطعام الذي يكتال به تكثر بركته، بأن يجزئ منه العدد ما لا يجزئ ما كيل بغيره، أو يبارك في التصرف به على وجه التجارة، بمعنى الأرباح، أو يريد به المكيل، فيكون ذلك دعاؤه في كثرة ثمارهم وغلاتهم، وأما البركة الدينية فإنها بهذا الكيل يتعلق كثير من العبادات، من أداء زكاة الحبوب، والفطر، والكفارات. انتهى.
قال المباركفوري -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "مرعاته": الأرجح عندنا هو ما قاله النوويّ، فإنه هو الظاهر من ألفاظ هذا الحديث، وما ورد في معناه كما لا يخفى على المتأمل.
[تنبيه]: قال الزرقانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هل يختص الدعاء المذكور بالمدّ