للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأيضًا فإذا رأينا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد اختلفوا في أمر قد صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه فعله، وأمر به، فقال بعضهم: إنه منسوخ، أو خاصّ، وقال بعضهم: هو باقٍ إلى الأبد، فقول من ادَّعَى نسخه، أو اختصاصه مخالف للأصل، فلا يقبل إلا ببرهان، وإن أقل ما في الباب معارضته بقول من ادَّعَى بقاءه وعمومه، والحجة تَفْصِل بين المتنازعين، والواجب الردّ عند التنازع إلى الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا قال أبو ذرّ وعثمان: إن الفسخ منسوخ، أو خاصّ، وقال أبو موسى، وعبد الله بن عباس: إنه باق، وحكمه عامّ فعلى من ادَّعَى النسخ والاختصاص الدليل.

ثم قال ابن القيّم رحمه الله ما ملخّصه: إن المرويّ عن أبي ذرّ وعثمان يَحْتَمِل ثلاثة أمور:

أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حَرَّم الفسخ.

الثاني: اختصاص وجوبه بالصحابة، وهو الذي كان يراه شيخنا -يعني ابن تيميّة رحمه الله- يقول: إنهم كانوا قد فُرِضَ عليهم الفسخ؛ لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم به، وحتمه عليهم، وغضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله، وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة، لكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة، وأن فرضًا على كل مفرد وقارن لم يسق الهدي أن يُحلّ ولا بد، بل قد حَلّ وإن لم يشأ، قال ابن القيّم: وأنا إلى قوله -يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- أميل مني إلى قول شيخنا.

قال الجامع عفا الله عنه: وأنا كنت أميل إلى ما مال إليه ابن القيّم رحمه الله، ثم ملتُ إلى مال إليه شيخه؛ لأني رأيته أعدل الأقوال في المسألة، كما قدّمت تحقيقه، وهو مذهب الإمام أحمد، وطائفة من المحقّقين، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

قال: الاحتمال الثالث أنه ليس لأحد من بعد الصحابة أن يبتدئ حجًّا قارنًا أو مفردًا بلا هدي، بل هذا يحتاج معه إلى الفسخ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في آخر الأمر من التمتع لمن لم يسق الهدي، والقران لمن ساق، كما صحّ عنه ذلك، وأما أن يحرم بحج مفرد ثم يفسخه