قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا قالوا، ولكن الظاهر أن أبا ذرّ لا يقول بمشروعية المتعة مطلقًا، سواء كان التمتع المعروف الذي هو القدوم بالعمرة من الميقات، ثم التحلل، ثم الحج في عامة، أم التمتع الذي هو فسخ الحج إلى العمرة، وقد سبق أن عمر، وعثمان، ومعاوية -رضي الله عنهم- كانوا ينهون عن التمتع مطلقًا، فالظاهر أن مذهب أبي ذرّ -رضي الله عنه- من نوع مذهب هؤلاء، وليس هناك دليل على أنه يريد الفسخ فقط، والحديث، وإن كان صحيحًا، لكنه موقوف، فلا يعارض المرفوع الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عِدّة طرق، فقد تقدم أن فسخ الحج مرويّ عن بضعة عشر صحابيًّا، وقد ثبت أن عمر، وعثمان -رضي الله عنهما- كانا ينهيان عن التمتّع، ولكن ذلك لم يعارض به ما ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فكذلك ما قاله أبو ذرّ -رضي الله عنه- هنا من دعوى الخصوصية بالصحابة لا يعارض المرفوع، بل هذا رأي رآه هو، كما رأى غيره، فيقدّم ما ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من أن فسخ الحجّ عامّ لجميع الأمة إلى يوم القيامة، كما تقدّم تحقيق ذلك قريبًا.
ثم وجدت الإمام ابن القيّم رحمه الله قد أجاد في ردّ دعوى الخصوصيّة، حيث قال بعد أن أورد أدلة من ادّعى الخصوصيّة للصحابة:
قال المجوّزون للفسخ، والموجبون له: لا حجة لكم في شيء من ذلك، فإن هذه الآثار بين باطل، لا يصح عمن نُسِب إليه البتة، وبين صحيح عن قائل غير معصوم، لا تعارض به نصوص المعصوم، قال: وقد روى أبو ذرّ -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الأمر بفسخ الحج والعمرة، وغاية ما نُقِل عنه إن صحّ أن ذلك مختص بالصحابة فهو رأيه، وقد قال ابن عباس، وأبو موسى الأشعريّ: إن ذلك عام للأمة، فرأيُ أبي ذرّ معارض برأيهما، وسَلِمت النصوص الصحيحة الصريحة، ثم من المعلوم أن دعوى الاختصاص باطلة بنص النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن تلك العمرة التي وقع السؤال عنها، وكانت عمرة فسخ لأبد الأبد، لا تختص بقرن دون قرن، وهذا أصح من المرويّ عن أبي ذرّ -رضي الله عنه-، وأولى أن يؤخذ به منه لو صحّ عنه.