للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أي: إلى أن وصل (الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ) أي: جمرة العقبة، وهذا يدلّ على أنه كان إذ ذاك هناك شجرة (فَرَمَاهَا) أي: ضحًى، كما جاء في الرواية الأخرى.

قال الشاه وليّ الله الدهلويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: والسر في رمي الجمار ما ورد في نفس الحديث، من أنه إنما جعل لإقامة ذكر الله، وتفصيله أن أحسن أنواع توقيت الذكر، وأكملها، وأجمعها لوجوه التوقيت، أن يُوَقَّت بزمان، وبمكان، ويقام معه ما يكون حافظأ لعدده، محقّقًا لوجوده، على رءوس الأشهاد، حيث لا يخفى شيء، وذكر الله تعالى نوعان: نوع يقصد به الإعلان بانقياده لدين الله، والأصل فيه اختيار مجامع الناس، دون الإكثار، ومنه الرمي، ولذلك لم يؤمر بالإكثار هناك، ونوع يقصد به انصياع النفس بالتطلع للجبروت، وفيه الإكثار، وأيضًا ورد في الأخبار ما يقتضي أنه سنة سَنّها إبراهيم؛ حين طرد الشيطان، ففي حكاية مثل هذا الفعل تنبيهٌ للنفس أيُّ تنبيه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: أحسن ما ذُكر من حكمة تشريع رمي الجمار، هو ما جاء عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - يرفعه قال: "لَمّا أتى إبراهيم خليل الله المناسك، عَرَض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عَرَض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عَرَض له عند الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض"، قال ابن عباس: "الشيطانَ ترجمون، وملةَ أبيكم تتّبعون"، أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم واللفظ له، وصححه على شرط الشيخين.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه أن السنة للحاجّ إذا دفع من مزدلفة، فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة، ولا يفعل شيئًا قبل رميها، ويكون ذلك قبل نزوله.

قال: وأما حكم الرمي، فالمشروع منه يوم النحر رمي جمرة العقبة لا غير، بإجماع المسلمين، وهو نسك بإجماعهم، ومذهبنا أنه واجب ليس بركن، فإن تركه حتى فاتته أيام الرمي عصى، ولزمه دم، وصحّ حجه، وقال مالك: يفسد حجه. انتهى (٢).


(١) "حجة الله البالغة" ١/ ٥٤٤.
(٢) "شرح النوويّ" ٨/ ١٩١.