للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذه عادته - صلى الله عليه وسلم - في المواضع التي نزل بها بأس الله بأعدائه، وكذلك فعل في سلوكه الْحِجر، وديار ثمود تقنّع بثوبه، وأسرع السير. انتهى.

وقال الشاه وليّ الله الدهلويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما أوضع - صلى الله عليه وسلم - بالْمُحَسَّر لأنه محلّ هلاك أصحاب الفيل، فمِن شأن من يخاف الله وسطوته أن يستشعر الخوف في ذلك الموطن، ويهرُب من الغضب، ولَمّا كان استشعاره أمرًا خفيًّا ضُبِطَ بفعل ظاهر، مُذكِّر له، منبِّه للنفس عليه - أي: وهو الإسراع. انتهى.

قال الزرقانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا الجواب - أي: ما قاله الطبريّ، وابن القيّم، والإسنويّ في وجه التسمية بالمحسَّر، وفي حكمة الإسراع فيه - مبنيّ على قول، الأصل خلافه، وهو أن أصحاب الفيل لم يدخلوا الحرم، وإنما أهلكوا قرب أوله.

وقال القاري - رَحِمَهُ اللهُ -: المرجّح عند غير هؤلاء أنهم لم يدخلوه، وإنما أصابهم العذاب قبيل الحرم قرب عرفة، فلم ينج منهم إلا واحد أخبر مَن وراءهم. انتهى (١).

(ثُمَّ سَلَكَ) - صلى الله عليه وسلم - (الطَّرِيقَ الْوُسْطَى) وهي غير طريق ذهابه إلى عرفات، وذلك كان بطريق ضبّ، وهذا طريق المأزِمين، وهما جبلان، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة، وهو غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات، وهذا معنى قول أصحابنا؛ يذهب إلى عرفات في طريق ضَبّ، ويرجع في طريق المأزِمين؛ ليخالف الطريق، تفاؤلًا بتغير الحال، كما فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في دخول مكة حين دخلها من الثنية العليا، وخرج من الثنية السفلى، وخرج إلى العيد في طريق، ورجع في طريق آخر، وحَوَّل رداءه في الاستسقاء. انتهى (٢).

(الَّتِي تَخْرُجُ) وفي رواية أبي داود، والنسائيّ، وابن ماجه: "التي تُخرجك" (عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الجمرة الكبرى هي جمرة العقبة، وهي الجمرة التي عند الشجرة، وقوله: (حَتَّى أَتَى) غاية لسلوكه - صلى الله عليه وسلم -؛


(١) "المرعاة" ٩/ ٣٧ - ٣٨.
(٢) "شرح النوويّ" ٨/ ١٩٠.