مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبّوا لو أني أبصرته، والتفتّ، فأبصرته".
ووقع في رواية أبي سعيد المذكورة أن ذلك وقع، وهم بعسفان، وفيه نظر، والصحيح ما في رواية البخاريّ، من طريق صالح بن كيسان، عن أبي محمد، مولى أبي قتادة، عنه، قال: "كنا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالقاحة، ومنا المحرم، وغير المحرم، فرأيت أصحابي، يتراءون شيئًا، فنظرت، فإذا حمار وحش. . ." الحديث.
و"القاحة" - بقاف، ومهملة خفيفة، بعد الألف -: موضع قريبٌ من السقيا. انتهى.
وقوله: "وخشينا أن نُقتَطَع" بالبناء للمفعول؛ أي: نصير مقطوعين عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منفصلين عنه؛ لكونه سبقهم، وكذا قوله بعد هذا: "وخَشُوا أن يقتطعوا دونك"، وبيّن ذلك رواية علي بن المبارك، عن يحيى، عند أبي عوانة بلفظ: "وخشينا أن يقتطعنا العدو". وللبخاريّ: "وأنهم خشوا أن يقتطعهم العدوّ دونك"، وهذا يُشعر بأن سبب إسراع أبي قتادة لإدراك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خشية على أصحابه أن ينالهم بعض أعدائهم. وفي رواية أبي النضر عند البخاريّ في "الصيد": "فأبى بعضهم أن يأكل، فقلت: أنا أستوقف لكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأدركته، فحدثته الحديث". ففي هذا أن سبب إدراكه أن يستفتيه عن قصّة أكل الحمار. ويمكن الجمع بأن يكون ذلك بسبب الأمرين، قاله في "الفتح" (١).
وقوله:(فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ) قد تقدم أن رؤيته له كانت متأخرة عن رؤية أصحابه، وصرح بذلك فضيل بن سليمان في روايته، عن أبي حازم كما عند البخاريّ في "الجهاد"، ولفظه: "فرأوا حمارًا وحشيًّا قبل أن يراه أبو قتادة، فلما رأوه تركوه حتى رآه، فركب. . .".
وقوله:(فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ) وفي رواية محمد بن جعفر: "فقمت إلى الفرس، فأسرجته، ثم ركبت، ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا، والله لا نعينك عليه بشيء، فغضبت، فنزلت، فأخذتهما،