قال بعض العلماء: وإنما ضحكوا تعجبًا من عروض الصيد لهم، ولا قدرة لهم عليه؛ لمنعهم منه.
قال الحافظ: قوله: فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة صحيح، ولكن لا يكفي في ردّ دعوى القاضي، فإن قوله:"يضحك بعضهم إلى بعض" هو مجرّد الضحك. وقوله:"يضحك بعضهم إليّ" فيه مزيد أمر على مجرّد الضحك. والفرق بين الموضعين أنهم اشتركوا في رؤيته، فاستووا في ضحك بعضهم إلى بعض، وأبو قتادة لم يكن رآه، فيكون ضحك بعضهم إليه بغير سبب باعثًا له على التفطّن إلى رؤيته.
ويؤيد ما قال القاضي ما وقع في رواية أبي النضر، عن مولى أبي قتادة، بلفظ:"إذ رأيت الناس متشوفين لشيء، فذهبت أنظر، فإذا حمار وحش، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: لا ندري، فقلت: هو حمار وحش، فقالوا: هو ما رأيت".
ووقع حديث أبي سعيد عند البزّار، والطحاويّ، وابن حبان في هذه القصّة:"وجاء أبو قتادة، وهو حِلٌّ، فنكسوا رؤوسهم، كراهية أن يُحِدُّوا أبصارهم له، فيفطن، فيراه". انتهى.
فكيف يُظنّ بهم مع ذلك أنهم ضحكوا إليه؟ فتبيّن أن الصواب ما قاله القاضي.
قال: وفي قول الشيخ: قد صحّت الرواية نظر؛ لأن الاختلاف في إثبات هذه اللفظة، وحذفها لم يقع في طريقين مختلفين، وإنما وقع في سياق إسناد واحد مما عند مسلم، فكان مع من أثبت لفظ "بعض" زيادة علم سالمة من الإشكال، فهي مقدّمة.
وبيّن محمد بن جعفر في روايته عن أبي حازم، عن عبد الله بن أبي أوفى، كما عند البخاريّ في "الهبة" أن قصّة صيده للحمار كانت بعد أن اجتمعوا بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه، ونزلوا في بعض المنازل، ولفظه:"كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في منزل في طريق مكة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازل أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم". وبيّن في هذه الرواية السبب الموجب لرؤيتهم إياه، دون أبي قتادة بقوله: "فأبصروا حمارًا وحشيًّا، وأنا