للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق أن الحقّ أن كفّارة الجماع في نهار رمضان هو المذكور في حديث الباب، وهو عتق رقبة، فإن لَمْ يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لَمْ يجد فإطعام ستين مسكينًا، وأما غير ذلك من البدنة، أو غيرها فلا يُجزئ؛ لضعف دليله، مع مخالفته للحديث الصحيح المذكور في الباب، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في ترتيب الكفّارة كما ذُكر في هذا الحديث:

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إن قوله: "هل تجد؟ "، وبعده: "فهل تستطيع؟ "، وبعده: "فهل تجد ما تُطعم؟ " ظاهر في ترتيب هذه الخصال، بدليل عطف الْجُمَل بالفاء المرتِّبة الْمُعَقِّبة، وإليه ذهب الشافعيّ، والكوفيّون، وابن حبيب من أصحابنا، وذهب مالك وأصحابه إلى التخيير في ذلك، إلَّا أنه استَحَمت الإطعام؛ لشدّة الحاجة إليه، وخُصوصًا بالحجاز، واستَدَلّ أصحابنا لمذهبهم بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتي بعد هذا، وهو أنه قال: أفطر رجلٌ في رمضان، فأمره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُعتق رقبةً، أو يصوم شهرين، أو يُطعم ستين مسكينًا، فخَيَّره بـ "أو" التي هي موضوعة للتخيير. انتهى (١).

وقال في "الفتح": وفي الحديث أيضًا أن الكفّارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور، قال ابن العربيّ: لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نقله مِن أمرٍ بعد عدمه لأمر آخر، وليس هذا شأن التخيير، ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك، فقال: إن مثل هذا السؤال قد يُستعمل فيما هو على التخيير، وقرره ابن الْمُنَيِّر في "الحاشية" بأن شخصًا لو حَنِث فاستفتي، فقال له المفتي: أعتق رقبةً، فقال: لا أجد، فقال: صم ثلاثة أيام إلخ لَمْ يكن مخالفًا لحقيقة التخيير، بل يُحمل على أن إرشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفّارة، وقال البيضاويّ: ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول، ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني، يدلُّ على عدم التخيير، مع كونها في معرض البيان، وجوابِ السؤال، فينزل منزلة الشرط للحكم.


(١) "المفهم" ٣/ ١٧٣.