للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حاله، وهو أنه كان عامدًا، كما يدلّ عليه ظاهر قوله: "هلكت"، و"احترقت". انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: القول بعدم وجوب الكفّارة على الناسي هو الأرجح عندي؛ لأن الحديث ظاهر في كونه عامدًا، فإن دلالة قوله: "هلكت"، و"احترقت" على أنه كان عامدًا عارفًا بالتحريم ظاهرٌ، فتأمله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في أنواع الكفّارة:

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ذهب الجمهور إلى أن الكفّارة ثلاثة أنواع، كما جاء في هذا الحديث، وذهب الحسن وعطاء إلى أن المكفّر إن لَمْ يجد رقبة أهدى بدنة إلى مكة، وقال عطاء: أو بقرةً، وتمسّكوا بما رواه مالك في "الموطّأ" من مرسل سعيد بن المسيّب أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: "هل تستطيع أن تُعتق رقبةً؟ " قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تُهدي بدنةً؟ " قال: لا، والصحيح المسند من الأحاديث، ليس فيه شيء من ذلك. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": في الحديث أنه لا مدخل لغير هذه الخصال الثلاث في الكفّارة، وجاء عن بعض المتقدمين إهداء البدنة عند تعذر الرقبة، وربما أيده بعضهم بإلحاق إفساد الصيام بإفساد الحجِّ، وورد ذكر البدنة في مرسل سعيد بن المسيِّب، عثد مالك في "الموطأ"، عن عطاء الخرسانيّ عنه، وهو مع إرساله قد رَدّه سعيد بن المسيِّب، وكذب من نقله عنه، كما روى سعيد بن منصور، عن ابن عُلَيّة، عن خالد الحذّاء، عن القاسم بن عاصم، قلت لسعيد بن المسيِّب: ما حديث حدّثناه عطاء الخرسانيّ عنك في الذي وقع على امرأته في رمضان أنه يُعتق رقبة، أو يُهدي بدنة؟ فقال: كَذَبَ، فذكر الحديث، وهكذا رواه الليث، عن عمرو بن الحارث، عن أيوب، عن القاسم بن عاصم، وتابعه همام، عن قتادة، عن سعيد، وذكر ابن عبد البرّ أن عطاء لَمْ ينفرد بذلك، فقد ورد من طريق مجاهد، عن أبي هريرة، موصولًا، ثم ساقه بإسناده، لكنه من رواية ليث بن أبي سُليم، عن مجاهد، وليث ضعيفٌ، وقد اضْطَرَب في روايته سندًا ومتنًا، فلا حجة فيه. انتهى.


(١) "المفهم" ٣/ ١٦٩.
(٢) "المفهم" ٣/ ١٧٣ - ١٧٤.