للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال: وأما ترجمة البخاريّ بقوله: "باب المجامع في رمضان، هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟ "، فليس فيه تصريح بما تضمنه حكم الترجمة، وإنما أشار إلى الاحتمالين المذكورين بإتيانه بصيغة الاستفهام. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن صنيع البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - ظاهر في ترجيحه هذا القول من الاحتمالين؛ لأنه أورد فيه الحديث المذكور، ودلالته على هذا القول ظاهرة.

والحاصل أن القول بجواز إطعام المكفّر كفّارته أهله هو الأرجح، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم المجامع ناسيًا: قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما المجامع ناسيًا فلا يفطر، ولا كفارة عليه، هذا هو الصحيح من مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء، ولأصحاب مالك خلاف في وجوبها عليه، وقال أحمد: يفطر، وتجب به الكفارة، وقال عطاء، وربيعة، والأوزاعيّ، والليث، والثوريّ: يجب القضاء، ولا كفارة، قال: دليلنا أن الحديث صحّ أن أكل الناسي لا يفطر، والجماع في معناه، وأما الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع، فإنما هي في جماع العامد، ولهذا قال في بعضها: "هلكتُ"، وفي بعضها: "احترقتُ احترقتُ"، وهذا لا يكون إلَّا في عامد، فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: استَدَلّ الجمهور بهذا الحديث على أنه كان متعمّدًا، وقصروا الكفّارة على المتعمّد دون الناسي، وهو مشهور قول مالك، وأصحابه، وذهب أحمد، وبعض أهل الظاهر، وعبد الملك، وابن حبيب إلى إيجابها على الناسي، ورُوي ذلك عن عطاء، ومالك، متمسّكين بترك استفسار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - السائل، وإطلاق الفتيا مع هذا الاحتمال، وهذا كما قاله الشافعي في الأصول: ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزّل منزلة العموم في المقال، قال القرطبيّ: وهذا ضعيفٌ؛ لأنه يمكن أن يقال: إنه ترك استفصاله لأنه قد تبيّن


(١) شرح النوويّ" ٧/ ٢٢٤ - ٢٢٥.