للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١)، وهو كلام نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) ابن مسعود -رضي الله عنه- (فَقُلْتُ: وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّ (٢) رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) وفي نسخة: "لأُخبرنّ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (قَالَ: فَأَتَيْتُهُ) -صلى الله عليه وسلم- (فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ) ذلك الرجل (قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ) -صلى الله عليه وسلم- (حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ) -بكسر الصاد المهملة-: هو صبغ أحمر تُصْبَغ به الجلود، قال ابن دُريد: وقد يُسَمَّى الدم أيضًا صِرْفًا (٣)، وفي الرواية التالية: "فغضِبَ من ذلك غضبًا شديدًا، واحمرّ وجهه، حتى تمنّيتُ أني لم أذكره له".

(ثُمَّ قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("فَمَنْ يَعْدِلُ) "من" استفهاميّة (إِنْ لَمْ يَعْدِلِ اللهُ) سبحانه وتعالى (وَرَسُولُهُ؟) -صلى الله عليه وسلم-، وجواب "إن" محذوف دلّ عليه ما قبله؛ أي فمن يعدل؟. ذكر الله عز وجل إشارة إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- مبلّغ عن الله تعالى، فإذا لم يعدل هو لم يعدل الله سبحانه وتعالى، فالاعتراض عليه -صلى الله عليه وسلم- اعتراض على حكم الله سبحانه وتعالى.

والاستفهام هنا إنكاريّ بمعنى النفي، والمعنى أنه لا أحد يعدل إذا لم يَعدل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال القاضي عياض رحمه الله: حُكْمُ الشرع أن من سبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كَفَرَ، وقُتِل، ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قُتِل.

وقال المازريّ رحمه الله: يَحْتَمِل أن يكون لم يَفْهَم منه الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، والمعاصي ضربان: كبائر، وصغائر، فهو -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الكبائر بالإجماع، واختلفوا في إمكان وقوع الصغائر، ومن جَوَّزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقيص، وحينئذ فلعله -صلى الله عليه وسلم- لم يعاقب هذا القائل؛ لأنه لم يثبت عليه ذلك، وإنما نقله عنه واحد، وشهادة الواحد لا يراق بها الدم.

قال القاضي: هذا التأويل باطلٌ يدفعه قوله: "اعْدِلْ يا محمد"، و"اتق الله يا محمد"، وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ، حتى استأذن عمر وخالد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في قتله، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل


(١) "المفهم" ٣/ ١٠٧.
(٢) وفي نسخة: "لأخبرنّ بها".
(٣) "شرح النووي" ٧/ ١٥٨.