بالكسر اسم من الاقتسام، ويُطلق أيضًا على النصيب، ويُجمع على القِسَم، مثلُ سِدْرة وسِدَرٍ، وهو المناسب هنا؛ أي فضّلهم على غيرهم في الحظّ من الغنيمة، وفي نسخة:"في الغنيمة"؛ أي آثرهم في قسمة الغنيمة (فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ) تقدّم أسماء الذين أعطاهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع هؤلاء في شرح الحديث الماضي، وقوله:(وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ) جملة مؤكّدة لما قبلها (فَقَالَ رَجُلٌ) قال في "الفتح": في رواية الأعمش: "فقال رجل من الأنصار"، وفي رواية الواقديّ: إنه معتّب بن قُشير من بني عمرو بن عوف، وكان من المنافقين، وفيه تعقّب على مغلطاي حيث قال: لم أر أحدًا قال: إنه من الأنصار إلا ما وقع هنا، وجزم بأنه حرقوص بن زُهير السعديّ، وتبعه ابن الملقِّن، وأخطأ في ذلك، فإن قصّة حرقوص غير هذه، كما سيأتي قريبًا من حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-. انتهى (١).
(وَاللهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا) بالبناء للمفعول (وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللهِ) بالبناء للمفعول أيضًا، وفي رواية الأعمش عند البخاريّ:"ما أراد بها وجه الله".
قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "ما عُدل فيها، وما أريد بها وجه الله" هذا قول جاهل بحال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، غليظ الطبع، حريصٌ، شَرِه، منافقٌ، وكان حقّه أن يُقتَل؛ لأنه آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة: ٦١] والعذاب في الدنيا هو القتل، لكن لم يقتله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للمعنى الذي قاله، وهو ما في حديث جابر -رضي الله عنه- الآتي:"معاذ الله أن يتحدّث الناس أني أقتل أصحابي"، ولهذه العلّة امتنع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من قتل المنافقين، مع علمه بأعيان كثير منهم، وبنفاقهم، ولا يُلتفت لقول من قال بإبداء علّة أخرى؛ لأن حديث جابر -رضي الله عنه- وغيره نصّ في تلك العلّة، وقد أُمنت تلك العلّة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا نفاق بعده، وإنما هو الزندقة، كذلك قال مالك رحمه الله، فمن آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو سبّه قُتل، ولا يُستتاب، وهذا هو الحقّ والصواب.