ذلك، وهي أعلى وأشرف، فلا تتبدل بغيرها، وقيل: معناه: لكنت من الأنصار في الأحكام والعداد، وقيل: التقدير: لولا أن ثواب الهجرة أعظم لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار، ولم يرد ظاهر النسب أصلًا، وقيل: لولا التزامي بشروط الهجرة، ومنها ترك الإقامة بمكة فوق ثلاث لاخترت أن أكون من الأنصار، فيباح لي ذلك. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله القرطبيّ رحمه الله أوّلًا هو الأقرب، وقريب مما قاله الخطّابيّ، وابن الجوزيّ، فتأمّل، والله تعالى أعلم.
(وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا) هو المكان المنخفض، وقيل: الذي فيه ماء، والمراد هنا بلدهم (وَشِعْبًا) وفي نسخة: "أو شِعبًا"، وعليها فتكون "أو" للشك من الراوي، أو هي بمعنى الواو، وهذا أولى، فقد وقع عند البخاريّ بالواو، و"الشِّعْب"- بكسر الشين المعجمة-: اسم لما انفرج بين جبلين، وقيل: الطريق في الجبل.
(لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ) أراد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بهذا، وبما سبق من قوله:"الأنصار شعار إلخ" التنبيهَ على جزيل ما حَصَل لهم من ثواب النصرة، والقناعة بالله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عن الدنيا، ومَن هذا وصفه فحقّه أن يُسْلَك طريقه، ويُتَّبَع حاله.
قال الخطابيّ رحمه الله: لَمّا كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه، وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا تفرقت في السفر الطُّرُق سلك كل قوم منهم واديًا وشعبًا، فأراد -صلى الله عليه وسلم- أنه مع الأنصار.
قال: ويَحْتَمِل أن يريد بالوادي المذهب، كما يقال: فلان في وادٍ، وأنا في وادٍ. انتهى، والأول أقرب، والله تعالى أعلم.
وقال في "المرقاة": وقيل: أراد -صلى الله عليه وسلم- بذلك حسن موافقته إياهم، وترجيحهم في ذلك على غيرهم؛ لِمَا شاهد منهم حسن الوفاء بالعهد، وحسق الجوار، وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم، فإن متابعته حقّ على كل مؤمن؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- هو المتبوع المطاع، لا التابع المطيع. انتهى (١).