(الْأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ)"الشعار"- بكسر المعجمة، بعدها مهملة خفيفة-: الثوب الذي يلي الجلد من الجسد، و"الدثار"- بكسر المهملة، ومثلثة خفيفة-: الذي فوقه، وهي استعارة لطيفة لِفَرْط قربهم منه -صلى الله عليه وسلم-، وأراد أيضًا أنهم بطانته وخاصته، وأنهم ألصق به، وأقرب إليه من غيرهم، زاد في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: "اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار"، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لِحَاهم، وقالوا: رضينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَسْمًا وحَظًّا".
(وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ) أي لولا وجود الهجِرة (لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الْأنْصَارِ) قال الخطابيّ رحمه الله: أراد -صلى الله عليه وسلم- بهذا الكلام تألف الأنصار، واستطابة نفوسهم، والثناء عليهم في دينهم، حتى رضي أن يكون واحدًا منهم، لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان تقع على وجوه، منها: الولادة، كالقرشيّة، والبلادية، كالكوفيّة، والاعتقادية، كالسنّية، والصناعية، كالصيرفيّة، ولا شك أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يرد الانتقال عن نسب آبائه؛ لأنه ممتنع قطعًا، وكيف وأنه أفضل منهم نسبًا، وأكرمهم أصلًا، وأما الاعتقاديّ فلا معنى للانتقال فيه؛ إذ كان دينه ودينهم واحدًا، فلم يبق إلا القسمان الآخران، الجائز فيهما الانتقال، وكانت المدينة دار الأنصار، والهجرة إليها أمرًا واجبًا؛ أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم.
قال الخطابيّ: وفيه وجه آخر، وهو أن العرب كانت تعظم شأن الخؤولة، وتكاد تلحقها بالعمومة، وكانت أم عبد المطلب امرأة من بني النجار، فقد يكون -صلى الله عليه وسلم- ذهب هذا المذهب، وأراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة، لولا مانع الهجرة.
وقال ابن الجوزيّ رحمه الله: لم يرد -صلى الله عليه وسلم- تغير نسبه، ولا محو هجرته، وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة، وإلى نصرة الدين، فالتقدير: لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية، لا يسع تركها، لانتسبت إلى داركم.
وقال القرطبيّ رحمه الله: معناه: لتسميت باسمكم، وانتسبت إليكم، كما كانوا ينتسبون بالْحِلْف، لكن خصوصية الهجرة وتربيتها سبقت، فمنعت من