(ثُمَّ قَالَ:"يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا) بالضمّ، والتشديد: جمع ضالّ، والمراد هنا ضلالة الشرك (فَهَدَاكُمُ الله بِي) المراد بالهداية الإيمان، وقد رتّب -صلى الله عليه وسلم- ما مَنَّ الله تعالى عليهم على يده من النِّعَم ترتيبًا بالغًا، فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازيها شيء من أمر الدنيا، وثَنّى بنعمة الأُلْفة، وهي أعظم من نعمة المال؛ لأن الأموال تُبْذَل في تحصيلها، وقد لا تحصل، وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع؛ لِمَا وقع بينهم منِ حرب بُعَاثَ، وغيرها، فزال ذلك كله بالإسلام، كما قال الله تعالى:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} الآية [الأنفال: ٦٣].
(وَعَالَةً) بالعين المهملة: أي فقراء لا مال لهم، والْعَيْلة الفقر (فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي) أي بسبب اتّباعكم لي، وجهادكم معي، ففتح الله تعالى عليكم من الغنائم، فصرتم أغنياء (وَمُتَفَرِّقِينَ) أي بسبب العصبيّة الجاهليّة، فإنهم كانوا متحاربين من سنين طويلة (فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي؟ " وَيَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ) - بفتح الهمزة والميم والتشديد: أفعلُ تفضيل من الْمَنّ.
(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("أَلَا تُجِيبُونِي؟ ") وفي نسخة: "ألا تجيبونني"(فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ) وفي حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: "فقالوا: ماذا نُجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله الْمَنُّ والفضل".
(فَقَالَ:"أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مِنَ الْأَمْرِ كَذَا وَكَذَا) وفي رواية البخاريّ: "قال: لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا" (لِأشْيَاءَ عَدَّدَهَا) الفاعل ضمير عبّاد بن تميم الراوي عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- (زَعَمَ عَمْرٌو) أي ابن يحيى الراوي عن عبّاد (أَنْ لَا يَحْفَظَهَا) "أن" مخفّفة من الثقيلة؛ أي أنه لا يحفظ تلك الأشياء التي عدّدها شيخه، وفي هذا ردٌّ على من قال: إن الراوي كَنَى عن ذلك عمدًا على طريق التأدب، وقد جوّز بعضهم أن يكون المراد: جئتنا ونحن على ضلالة، فهُدينا بك، وما أشبه ذلك، وفيه بُعْدٌ، فقد فُسِّر ذلك في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، ولفظه: "فقال: أما والله لو شئتم لقلتم، فَصَدَقْتُم، وصُدِّقتم: أتيتنا مُكَذَّبًا فصَدَّقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فواسيناك"، ونحوُه في مغازي أبي الأسود، عن عروة مرسلًا وابنِ عائذ من حديث ابن عباس موصولًا، وفي مغازي سليمان التيميّ أنهم