(فَقَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ) وفي رواية الزهريّ، عن أنس:"فحُدِّث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم، فلم يَدْعُ معهم غيرهم، فلما اجتمعوا، جاءهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "ما حديث بلغني عنكم؟ " فقال له فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئًا، وأما ناس منا حديثةٌ أسنانهم، فقالوا … إلخ، وفي رواية هشام بن زيد: "فجمعهم في قبة من أدم، فقال:"يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني؟ " فسكتوا".
ويُحْمَل على أن بعضهم سكت، وبعضهم أجاب، وفي رواية أبي التيّاح عن أنس، عند الإسماعيليّ: "فجمعهم، فقال:"ما الذي بلغني عنكم"؟ قالوا: هو الذي بلغك، وكانوا لا يَكْذِبون"، ولأحمد من طريق ثابت، عن أنس، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أعطى أبا سفيان، وعيينة، والأقرع، وسهيل بن عمرو في آخرين يوم حنين، فقالت الأنصار: "سيوفنا تقطر من دمائهم، وهم يذهبون بالمغنم … "، فذكر الحديث، وفيه: "ثم قال: "أقلتم كذا وكذا؟ " قالوا: نعم"، وإسناده على شرط مسلم، وكذا ذكر ابن إسحاق، عن أبي سعيد الخدريّ أن الذي أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بمقالتهم سعد بن عبادة، ولفظه: "لَمّا أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطى من تلك العطايا في قريش، وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء وَجَدَ هذا الحيّ من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة، فدخل عليه سعد بن عبادة، فذكر له ذلك، فقال له:"فأين أنت من ذلك يا سعد؟ " قال: ما أنا إلا من قومي، قال:"فاجمع لي قومك"، فخرج، فجمعهم … " الحديث.
وأخرجه أحمد من هذا الوجه، وهذا يعكُر على الرواية التي فيها: "أما رؤساؤنا، فلم يقولوا شيئًا"؛ لأن سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب، إلا أن يُحْمَل على الأغلب الأكثر، وأن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة، ولم يُرد إدخال نفسه في النفي، أو أنه لم يقل لفظًا، وإن كان رضي بالقول المذكور، فقال: ما أنا إلا من قومي، وهذا أوجه، والله أعلم، قاله في "الفتح" (١).