للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إلا الخمس، والخمس مردود فيكم"، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عن -، والظاهر من مراجعة الأنصار، وقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم" أنه كان من صُلْب الغنيمة، وأن ذلك إنما كان لِمَا يعلم من رضا أصحابه بذلك، ولطيب قلوبهم به، أو يكون هذا مخصوصًا بتلك الواقعة، وله أن يفعل ما شاء في الأموال والرقاب، والأصل التمسّك بقواعد الشريعة على ما تقرّرت، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح - كما في "الفتح"- كون العطاء من صلب الغنيمة، يؤيّد ذلك ما تقدّم في رواية قتادة، عن أنس -رضي الله عنه-، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن قريشًا حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم، وأتألفهم".

وقيل: إنما تصَرَّف في الغنيمة؛ لأن الأنصار كانوا انهزموا، فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار، فردّ الله أمر الغنيمة لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، وهذا معنى القول السابق بأنه خاصّ بهذه الواقعة، واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس.

وقال ابن القيم رحمه الله: اقتَضَت حكمة الله تعالى أن فتح مكة كان سببًا لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام، وكانوا يقولون: دعوه وقومَه، فإن غلبهم دخلنا في دينه، وإن غلبوه كَفَونا أمره، فلما فتح الله عليه استمرّ بعضهم على ضلاله، فجمعوا له، وتأهبوا لحربه، وكان من الحكمة في ذلك أن يَظْهَر أن الله نصر رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل، ولا بانكفاف قومه عن قتاله، ثم لَمّا قدّر الله له من غلبته إياهم قدَّر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة عَدَدهم، وقوّة عُدَدِهم؛ ليتبين لهم أن النصر الحقّ إنما هو من عنده، لا بقوّتهم، ولو قدّر أن لا يَغلبوا الكفار ابتداء لرجع مَن رجع منهم شامخ الرأس متعاظمًا، فقدّر هزيمتهم، ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة، كما دخلها النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح متواضعًا، متخشعًا، واقتضت حكمته أيضًا أن غنائم الكفار لَمّا حَصَلت، ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لِمَا بقي فيه من


(١) "المفهم" ٣/ ١٠٧.