ولابن أبي شيبة، والبزّار، من طريق ثعلبة بن زَهْدَم مثله، وللطبرانيّ بإسناد صحيح، عن حكيم بن حِزَام، مرفوعًا:"يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطَى، ويد المعطَى أسفل الأيدي"، وللطبرانيّ من حديث الجذاميّ، مرفوعًا مثله، ولأبي داود، وابن خزيمة، من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك، عن أبيه، مرفوعًا:"الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى"، ولأحمد، والبزّار، من حديث عطيّة السعديّ:"اليد المعطية هي العليا، والسائلة هي السفلى".
وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "واليد العليا المنفقة"، هكذا وقع في صحيح البخاريّ ومسلم:"العليا المنفقة"، من الإنفاق، وكذا ذكره أبو داود عن أكثر الرواة، قال: ورواه عبد الوارث، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:"العليا المتعفِّفة" بالعين، من العِفّة، ورجح الخطابيّ هذه الرواية، قال: لأن السياق في ذكر المسألة والتعفف عنها، والصحيح الرواية الأولى، وَيحْتَمِل صحة الروايتين، فالمنفقة أعلى من السائلة، والمتعففة أعلى من السائلة، وفي هذا الحديث الحثّ على الإنفاق في وجوه الطاعات، وفيه دليل لمذهب الجمهور أن اليد العليا هي المنفقة، وقال الخطابيّ: المتعففة كما سبق، وقال غيره: العليا الآخذة، والسفلى المانعة، حكاه القاضي، والمراد بالعلو علوّ الفضل والمجد، ونيل الثواب. انتهى (١).
وقال الطيبيّ رحمه الله بعد نقل كلام النووي المذكور: أقول: تحرير ترجيح الخطّابيّ رواية "اليد العليا هي المتعفّفة" أن يقال: إن قوله: "وهو يذكر الصدقة، والتعفّف عن المسألة" كلام مجملٌ في معنى العفّة عن السؤال، وقوله:"اليد العليا خير من اليد السفلى" بيان له، وهو أيضًا مبهم، فينبغي أن يفسّر بالعفّ؛ ليناسب المجمل، وتفسيره باليد المنفقة غير مناسب للمجمل.
وتحقيق الجواب: هذا إنما يتمّ إذا اقتصر على قوله: "اليد العليا هي المنفقة"، ولم يعقبه بقوله:"واليد السفلى هي السائلة"؛ لدلالتهما على علوّ المنفقة، وسفالة السائلة ورذالتها، وهي مما يُستنكف منها، ويُتعفّف عن