والسؤال من الناس، وقيل: الاستعفاف: الصبر، والنزاهة عن الشيء. انتهى (١).
وحاصل المعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس، فحَضّ في خطبته الأغنياء على أن يتصدّقوا على الفقراء، وحضّ الفقراء على يتعفّفوا عن مسألة الناس، أو يحضّهم على التعفّف، وذمّ مسألة الناس.
("الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى) هذه الجملة هي مقول "قال". أي قال -صلى الله عليه وسلم-، والحال أنه على المنبر، وهو يذكر الصدقة، والتعفّف عن المسألة: "اليدُ العليا خير من اليد السفلى"، ثم فسّر معنى كلامه هذا بقوله: (وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ") قال أبو داود رحمه الله: قال الأكثر عن حماد بن زيد: "المنفقة"، وقال واحد عنه:"المتعفّفة"، وكذا قال عبد الوارث، عن أيوب. انتهى.
قال الحافظ رحمه الله: فأما الذي قال عن حماد: "المتعفّفة" -بالعين، وفاءين- فهو مسدّدٌ، كذلك رويناه في "مسنده"، رواية معاذ بن المثنّى عنه، ومن طريقه أخرجه ابن عبد البرّ في "التمهيد"، وقد تابعه على ذلك أبو الرَّبِيع الزَّهْرانيّ، كما رويناه في "كتاب الزكاة" ليوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا أبو الربيع.
وأما رواية عبد الوارث، فلم أقف عليها موصولة، وقد أخرجه أبو نُعيم في "المستخرج" من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بلفظ:"واليد العليا يد المعطي"، وهذا يدلّ على أن من رواه عن نافع بلفظ "المتعفّفة" فقد صحّف.
قال ابن عبد البرّ: ورواه موسى بن عقبة، عن نافع، فاختُلِف عليه أيضًا، فقال حفص بن ميسرة، عنه:"المنفقة"، كما قال مالك، قال الحافظ: وكذا قال فضيل بن سليمان، عنه، أخرجه ابن حبّان من طريقه، قال: ورواه إبراهيم بن طهمان، عن موسى، فقال:"المنفقة".
قال ابن عبد البرّ: رواية مالك أولى، وأشبه بالأصول، ويؤيّده حديث طارق المحاربيّ، عند النسائيّ، قال: قدمنا المدينة، فإذا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قائم على المنبر، يخطب الناس، وهو يقول:"يد المعطي العليا". انتهى.