قال ابن عبد البرّ: والاسم الشرعيّ قاضٍ على الاسم اللغويّ، وما أعلم مخالفًا في أن الكنز ما لم تؤدّ زكاته، إلا شيئًا عن عليّ، وأبي ذرّ، والضحّاك، ذهب إليه قوم من أهل الزهد، قالوا: إن في المال حقوقًا سوى الزكاة. أما أبو ذرّ -رضي الله عنه-، فقد ذهب إلى أن كلّ مال مجموع يفضل عن القوت، وسداد العيش، فهو كنز، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك.
وأما عليّ -رضي الله عنه-، فروي أنه قال: أربعة آلاف نفقة، فما فوقها فهو كنز.
وأما الضّحّاك، فقال: من ملك عشرة آلاف درهم، فهو من الأكثرين الأخسرين إلا من قال بالمال هكذا، وهكذا.
وكان مسروق يقول في قوله تعالى:{سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية [آل عمران: ١٨٠]: هو الرجل يرزقه الله المال، فيمنع قرابته الحقّ الذي فيه، فيُجعل حيّة يُطَوَّقها.
قال ابن عبد البرّ: وهذا ظاهر أنه غير الزكاة، ويحتمل أنه الزكاة.
قال: وسائر العلماء، من السلف والخلف على ما تقدّم في الكنز، قال: وما استدلّ به من الأمر بإنفاق الفضل، فمعناه أنه على الندب، أو يكون قبل نزول الزكاة، ونُسِخَ بها، كما نسخ صوم عاشوراء برمضان، وعاد فضيلة بعد أن كان فريضة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تقدم في المسألة السابقة أن الراجح بقاء وجوب الحقّ سوى الزكاة؛ إذا دعت الحاجة إلى ذلك، من مواساة أصحاب الحاجة والضرورة. فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: على أن أبا ذرّ أكثر ما تواتر عنه في الأخبار الإنكارُ على من أخذ المال من السلاطين لنفسه، ومنع منه أهله، فهذا ما لا خلاف عنه في إنكاره، وأما إيجاب غير الزكاة، فمختلف عنه فيه.
وتأوّل القاضي عياض رحمهُ اللهُ أيضًا كلام أبي ذرّ على نحو ذلك، فقال:
= لم يسمع جعفر عن مجاهد شيئًا، بل من صحيفة. انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب" ١/ ٣٠٠ - ٣٠١، فعلى هذا ففيه انقطاع، فتنبّه.