الصحيح أن إنكاره إنما هو على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال، ولا ينفقونه في وجوهه.
قال النوويّ رحمهُ اللهُ: وهذا الذي قاله باطلٌ؛ لأن السلاطين في زمنه أبو بكر، وعمر، وعثمان -رضي الله عنهم-، وتوفي في زمن عثمان سنة اثنتين وثلاثين. انتهى.
قال وليّ الدين رحمهُ اللهُ: لعله أراد بالسلاطين بعض نوّاب الخلفاء، كمعاوية، وقد وقع بينه وبين أبي ذرّ بسبب هذه الآية تشاجُر، أوجب انتقال أبي ذرّ إلى المدينة، كان معاوية يقول: هي في أهل الكتاب خاصّةً، وقال أبو ذرّ: هي فينا، وفيهم، على أن عبارة ابن عبد البرّ ليست صريحة في أن الإنكار على السلاطين، كعبارة القاضي عياض، بل هي محتملة لأن يكون المراد الإنكار على الآحاد الذين ياخذون الأموال من السلاطين، وهم غير محتاجين إليها، فيجمعونها عندهم، وقد يؤدّي ذلك إلى منع من هوأحقّ منهم، والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تمثيله بمعاوية -رضي الله عنه- لمن يأخذ من بيت المال ظلمًا، فيه سوء أدب مع صحابيّ جليل، من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فليُتنبّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال: ولما حَكَى ابن العربيّ قول الضحّاك، قال: وإنما جعله أوّل حدّ الكثرة؛ لأنه قيمة النفس المؤمنة، وما دونه في حدّ القلّة، وهو فقه بالغ، وقد رُوي عن غيره، وإني لأستحبّه قولًا، وأصوّبه رأيًا. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي أن ما أدّي زكاته فليس بكنز، لكن هذا لا ينافي ما تقدّم من ثبوت الحقّ في المال لحاجة المحتاجين؛ لثبوت الأدلة على ذلك، فمن أنكر ذلك فقد تناقض، فإنه قد ثبت الإجماع على وجوب أنواع الكفارات، من القتل، والظهار، واليمين، والجماع في رمضان، وكذا النذور، وأداء ديون الناس، وغير ذلك من الحقوق، وكلها سوى الزكاة، فمن أوجب هذه الأشياء في المال، وهي سوى الزكاة، فكيف ينكر وجوب صلة ذوي الأرحام، ومواساة الفقراء، وغيرهم من أصحاب الضرورة؟، إن هذا