وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رحمهُ اللهُ ما معناه: اختلف في المراد بالكنز في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}، وما في معناه، فالجمهور على أنه ما لم تؤدَّ زكاته، وعليه جماعة فقهاء الأمصار، ثم ذكر ذلك عن عمر، وابنه عبد الله، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ثم استشهد لذلك بما رواه عن أم سلمة -رضي الله عنها-، قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال:"ما بلغ أن تُؤَدَّى زكاتُهُ، فزُكِّيَ فليس بكنز"، أخرجه أبو داود، قال الحافظ ابن عبد البرّ: وفي إسناده مقال، وقال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ": إسناده جيّد، رجاله رجال الصحيح.
قال ابن عبد البرّ: ويشهد لصحّته حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"إذا أَدَّيتَ زكاة مالك، فقد قضيت ما عليك"، رواه الترمذيّ، وقال حسنٌ غريب، والحاكم في "مستدركه"، وقال: صحيح من حديث المصريين، وذكر العراقيّ أنه على شرط ابن حبّان في "صحيحه".
وفي معناه أيضًا حديث جابر مرفوعًا:"إذا أدّيت زكاة مالك، فقد أذهبت عنك شرّه"، رواه الحاكم في "مستدركه"، وصححه على شرط مسلم، ورجّح البيهقيّ وقفه على جابر، وكذلك ذكره ابن عبد البرّ، وكذا صحح أبو زرعة وقفه على جابر، وذكره بلفظ:"ما أدي زكاته فليس بكنز".
وروى البيهقيّ عن ابن عمر، مرفوعًا:"كلّ ما أدّي زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونًا تحت الأرض، وكلّ ما لا يؤدى زكاته فهو كنز، وإن كان ظاهرًا"، وقال البيهقيّ: ليس بمحفوظ، والمشهور وقفه.
وفي "سنن أبي داود" عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قال: كَبُرَ ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرّج عنكم، فانطلق، فقال للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: يا نبيّ الله، إنه كَبُرَ على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لم يَفرض الزكاة إلا لتطييب ما بقي من أموالكم … " الحديث، وفيه ضعف (١).
(١) هذا الحديث إسناده ثقات، إلا أن فيه انقطاعًا، فقد ثبت عن شعبة أنه قال: =