للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيكوى بها جبينه … إلخ، وهذا التأويل يوافق ما في التنزيل حيث قال تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا} الآية [التوبة: ٣٥]، فجعل عين الذهب والفضّة هي المحمى عليها في نار جهنم، قاله الطيبيّ رحمهُ اللهُ (١).

(فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ) ببناء الفعل للمفعول، و"عليها" نائب فاعله؛ أي: أوقد عليها نار ذات حمى وحرّ شديد، من قوله: {نَارٌ حَامِيَةٌ (١١)} [القارعة: ١١]، ففيه مبالغة في "أحميت في نار"، قاله الطيبيّ، والضمير في "عليها" للفضّة، فالفاء تفسيريّةٌ، وقيل: الضمير إلى الصفائح الناريّة؛ أي: تُحمى مرّة ثانيةً في نار جهنّم؛ ليشتدّ حرّها، فالفاء تعقيبيّة.

(فَيُكْوَى بِهَا) أي: بتلك الفضّة، أو بتلك الصفائح (جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ) قيل: إنما خُصّت هذه المواضع بالكيّ دون غيرها من أعضائه؛ لتقطيبة وجهه في وجه السائل، وازْوِرَاره عنه بجانبه، وانصرافه عنه بظهره، قاله القرطبيّ رحمهُ اللهُ (٢).

وقال في "المرعاة": قيل: خصّ هذه الأعضاء بالذكر من بين سائر الأعضاء؛ لأنها مجوّفة، فتُسرع الحرارة إليها، أو لأن الكيّ في الوجه أبشع وأشهر، وفي الظهر والجنب أوجع وآلم، وقيل: لأن جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى، والتنعّم بالمطاعم الشهيّة، والملابس البهيّة، وقيل: لأن السائل متى تعرّض للطلب من البخيل أول ما يبدو منه من آثار الكراهية والمنع أنه يُقَطِّبُ في وجهه، ويتكلّح، ويجمع أساريره، فيتجعّد جبينه، ثم إن كرّر الطلب ناء بجانبه عنه، ومال عن جهته، وتركه جانبًا، فإن استمرّ الطلب ولّاه ظهره، واستَقْبَلَ جهةً أخرى، وهي النهاية في الردّ، والغاية في المنع الدالّة على كراهيته للعطاء والبذل، وهذا دأب مانعي البرّ والإحسالى، وعادة البخلاء بالرفد والعطاء، فلذلك خصّ هذه الأعضاء بالكيّ، قاله الجزريّ في "جامع الأصول" (٣).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٤٧٠ - ١٤٧١.
(٢) "المفهم" ٣/ ٢٥.
(٣) راجع: "المرعاة شرح المشكاة" ٦/ ٩.