للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأجناس، ولذا اكتفى بها في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة". انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "لا يؤدّي حقها" كذا صحّت الرواية بـ "ها" التأنيث المفردة، وظاهره أنه عائد على الفضّة، فإنه أقرب مذكور، وهي مؤنّثة، ومثل هذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [التوبة: ٣٤]، وقد حُمل هذا على الاكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر، كما في قول الشاعر:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا … عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِ

وقيل: أعاد على معنى الكلمات المتقدّمة، وكأنه قال: لا يؤدّي من تلك الأمور المذكورات حقّها، وأشبه من هذه الأوجه أن يقال: إن الذهب والفضّة يقال لهما عين لغةً، فاعاد عليها الضمير، وهي مؤنّثةٌ.

قال: وهذا الحديث يدلّ على أن الذهب والبقر فيهما الزكاة، وإن لم يجئ ذكرهما في حديث جابر -رضي الله عنه- المتقدّم، ولا في كتاب أبي بكر -رضي الله عنه- في الصدقة، على ما ذكره البخاريّ، ولا خلاف في وجوب الزكاة فيهما، وإن اختلفوا في نصاب البقر. انتهى (٢).

(إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) استثناء من عموم الأحوال (صُفِّحَتْ) بتشديد الفاء مبنيًّا للمفعول؛ أي: جعلت الفضّة ونحوها (لَهُ) أي: لصاحبها (صَفَائِحَ) جمع صَفِيحَة، وهي ما يُطبع مما يتطرّق، كالحديد والنحاس، ورُوي مرفوعًا على أنه نائب فاعل و"صُفّحت"، ومنصوبًا على أنه مفعول ثانٍ لها، وفي الفعل ضمير الذهب والفضّة، وأنّث إما بالتأويل السابق، وإما على التطبيق بينه وبين المفعول الثاني الذي هو "صفائح".

وقوله: (مِنْ نَارٍ) يعني: أنه إذا لم يؤدّ صاحب الذهب والفضّة حفها يُجعل له صفائح من نار، أو جُعلت الذهب والفضّة صفائح من نار، وكأنه تنقلب صفائح الذهب والفضّة لفرط إحمائها، وشدّة حرارتها صفائح النار،


(١) راجع: "المرقاة" ٤/ ٢٦١، و"المرعاة" ٦/ ٨ - ٩.
(٢) "المفهم" ٣/ ٢٤ - ٢٥.