واحد منهم أخبر عما سمع وشاهَدَ، وهما واقعتان مختلفتان، وأما استدلالها على ردّ ذلك بقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فلا حجة فيه، ولا معارضة بين هذه الآية والحديث، على ما نُبدِيه من معنى الحديث، إن شاء الله تعالى.
وقد اختلف العلماء فيه، فقيل: محمله على ما إذا كان النَّوْح من وصيّته وسنته، كما كانت الجاهلية تفعل، حتى قال طرفة [من الطويل]:
وقد جمع عبد المطلب بناته عند موته، وأمرهنّ أن ينعينه، ويَندُبنه، ففعلن، وأنشدت كلّ واحدة منهنّ شعرًا تمدحه فيه، فلما فرغن قال آخر ما كلّمهنّ: أحسنتنّ، هكذا فانعينني، وإلى هذا نحا البخاريّ. وقيل: معناه أن تلك الأفعال التي يُبكَى بها الميت مما كانوا يفعلونه في الجاهلية، من قتل النفس، وأخذ المال، وإخراب البلاد، وغير ذلك، فأهله يمدحونه بها، ويُعدِّدونها عليه، وهو يُعذّب لسببها، وعلى هذا تُحمل رواية من رواه:"ببعض بكاء أهله"؛ إذ ليس كلّ ما يُعدّدونه من خصاله مذمومًا، فقد يكون من خصاله كَرَمٌ، وإعتاق رقاب، وكشف كرب، وقد دلّ على صحّة هذا التأويل حديث عبد الله بن رواحة حيث أُغمي عليه، فجَعَلت أخته عمرة تبكي: وا جبلاه، وا كذا، وا كذا، تُعدّد عليه، فأفاق، وقال لها: ما قلتِ شيئًا إلَّا قيل لي: أنت كذلك؟ فلما مات لَمْ تَبْك عليه، رواه البخاريّ. إلى آخر كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وقد تقدّم خلاصته في المسألة الثالثة من المسائل التي تقدّمت في شرح حديث عمر - رضي الله عنه -، فراجعها تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
(وَلَكِنَّهُ) - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا) فحملت الميت على الكافر، وأنكرت الإطلاق، وقد جاءت الزيادة في عذاب الكافر في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} الآية [النحل: ٨٨]، وقوله:{فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا}[النبأ: ٣٠]، لكن قد يقال: زيادة العذاب بعمل الغير أيضًا مشكلة معارضة بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فينبغي أن تُحمل الباء في قوله: