كان ملء السمع والبصر، وكانت حياته بهجة للقلب والعقل جميعاً، وحين نعاه الناعي كادت النفس أن تفيض عليه، وغشي القلب حزن أسود كئيب، من هول الرزء وفداحة المصاب، ولم يجد محبوه وعارفوا فضله إلا قول أبي الطيب المتنبي:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر ... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملًا ... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
ولد محمد رشاد عبد المطلب في حي الجمالية بالقاهرة يوم الأربعاء ٢٠ من جمادى الأولى سنة ١٣٣٥ هـ - ١٤ من مارس سنة ١٩١٧ م، وتوفي بالقاهرة يوم الأحد ٢٩ من ذي الحجة سنة ١٣٩٤ هـ - ١٢ من يناير سنة ١٩٧٥ م.
وبين هذين التاريخين حياة غريبة موغلة في الغرابة، عجيبة مسرفة في العجب، وما ظنك بامرئ لم ينل من الشهادات - فاتحة الأبواب ومانحة المناصب - إلا الشهادة الابتدائية، ثم هو مع ذلك باسط سلطانه على كل من كتب شطراً في التراث الإسلامي طيلة ثلاثين عاماً، غيبة أو حضوراً، يفزع إليه الدارسون، وترد عليه الفتاوى من كل مكان، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولأمر أراده الله كانت خطوات فقيدنا الأولى في حي الجمالية، حيث الأزهر الشريف مهوى الأفئدة ومطمح الأنفس، وحيث الوِراقة والورَّاقون، والكتب الصفراء صانعة الرجال، وحيث القاهرة بكل عطائها السخي وعطرها الأخاذ.