ويختلف فقيدنا إلى حلقات الأزهر الشريف، وكانت في ذلك الوقت متاحة لكل راغب علم وطالب معرفة، ثم كانت تضيء بالكوكبة اللامعة من مشايخ هذا العصر، أمثال الشيخ الدلجموني، والشيخ السمالوطي، والشيخ محمد بخيت المطيعي، ومن إليهم.
فإذا ما أصاب من هذه المائدة الحافلة ما شاء الله له، خرج إلى أسواق الكتب المنتشرة في جنبات هذا الرحاب الكريم، يجمع نوادر الكتب، ثم يعرج على مطابع الحي، أمثال مطبعة الحلبي، ومطبعة الخشاب، يتسقط أخبار الجديد من المطبوعات، وقد بلغ حرصه وتتبعه - كما أخبرني - أنه كان يمر على هذه المطابع كل أسبوع، ليأخذ ملزمة ملزمة من كل ما يطبع، وكأنه لا يصبر حتى يتم طبع الكتاب.
فإذا كان الليل هرع إلى حلقات قراء القرآن الكريم، أمثال الشيخين علي محمود وأحمد ندا، وأضرابهما من هذا النفر الكريم، الذين جمعوا إلى حسن الصوت خشوع الأداء. فكان له من كل ذلك هذه الشخصية النادرة التي بهرت الناس وملأت حياتهم خيراً وبركة.
على أن هناك عالمين جليلين، كان لهما أكبر الأثر في حياة رشاد عبد المطلب وتبصيره وتوجيهه إلى هذا الفن الذي أخلص له عمره، ووقف عليه جهده، لا يصرفه عنه صارف، ولا يزهده فيه مزهَّد:
أولهما: الشيخ محمد زاهد الكوثري، العالم التركي الجليل، الفار بدينه وعلمه إلى القاهرة، والمتوفى بها سنة ١٣٧١ هـ - ١٩٥٢ م.
وثانيهما: الشيخ أحمد محمد شاكر، محدث العصر، وواضع أصول نشر التراث بتحقيقه لكتاب «الرسالة» للإمام محمد بن إدريس الشافعي. وقد توفي هذا الشيخ العلامة بالقاهرة سنة ١٣٧٧ هـ - ١٩٥٨ م.
عرف رشاد عبد المطلب هذين العالمين وهو في طراوة الصبا وأوائل الشباب،