للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن اعترضَ معترضٌ علينا (١) بأنَّ القرآنَ لا يَثْبُتُ بخبر الواحدِ، وإذا لم يثبتْ بخبر الواحد، بطلَ العملُ، ولا يتنزلُ منزلةَ خبر الواحد، كما هو قولُ المحققينَ من أهلِ النظرِ؛ لأنه إنما رواه على أنه قرآنٌ، فإذا لم يثبتْ قرآنًا، لم يثبتْ غيرُه.

ولأنَّ خبرَ الواحد إذا توجَّه إليه قادحٌ، وجبَ التوقُّفُ عن العملِ به، وهذا لم يجئْ إلا بآحاد -مع أن العادة مجيئُه متواترًا- يوجبُ ريبةً في صحةِ الخبر.


= "خمس رضعات" أن الذي دون الأربع لا يحرم، فتعارضا، فيرجع إلى الترجيح بين المفهومين، وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة، وحديث المصتان جاء أيضًا من طرق صحيحة، لكن قد قال بعضهم: إنه مضطرب؛ لأنه اختلف فيه هل هو عن عائشة أو عن الزبير أو عن ابن الزبير أو عن أم الفضل، لكن لم يقدح الاضطراب عند مسلم، فأخرجه من حديث أم الفضل زوج العباس: أن رجلًا من بني عامر قال: يا رسول الله! هل تحرم الرضعة الواحدة؟ قال: "لا"، وفي راوية له عنها: "لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، ولا المصة ولا المصتان".
قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (٥/ ١١٠): هو أنص ما في الباب، إلا أنه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف الرضع.
وقوَّى مذهب الجمهور: بأن الأخبار اختلفت في العدد، وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك، فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم، ويعضده من حيث النظر أنه معنى طارئ يقتضي تأييد التحريم، فلا يشترط فيه العدد، كالصهر، أو يقال: مائع يلج الباطن فيحرم، فلا يشترط فيه العدد كالمني، والله أعلم. وأيضًا: فقول عائشة: "عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات، فمات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهن مما يقرأ" لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر، فلم يثبت كونه قرآنًا، ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه، والله أعلم.
(١) في "ب" زيادة "فقال".

<<  <  ج: ص:  >  >>