للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسياقُ الخِطاب يقتضي بظاهره أن المحرمَ لا يحلُّ حتى يبلغ الهديُ محلَّهُ، ولو كانَ مُحْصَراً، بهذا قال أبو حنيفةَ، واستدلَّ بأن نحرَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عامَ الحُدَيبية وقعَ في الحَرَم، على ما قاله ابنُ إسحاق.

وذهبَ الشافعيُّ إلى أنه ينحرُ هديَهُ حيثُ حَلَّ، وتقديرُ الآية: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] إن قدرتم على إيصاله محله.

واستدلَّ بقوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥].

قال: ونحرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الحِلِّ، وقد قيل: نحرَ في الحَرَم، وحكاه عن عطاء.

ثم قال: وإنما ذهبنا إلى أنه نحرَ في الحِلِّ، وبعضُ الحديبيةِ في الحِلِّ، وبعضُها في الحَرَم؛ لأن اللهَ تعالى يقول: {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥]، والحرم كلُّه مَحِلُّه عند أهلِ العلم (١).

ويدلُّ عليه - أيضاً (٢) - النظر والقياسُ، وإن كانَ ضعيفاً في هذا المقام، فإنه كما يجوز له ذبحُ الهَدْي قبلَ وقتِه للعذر، يجوز ذبحه قبل مكانِه - أيضاً -، ولأنه يشقُّ عليه مصابرة الإحرام، وربَّما وقف أبداً لا يقدر على إيصال الهدي إلى الحَرَمِ، ولم يجعلِ الله عليه في الدِّين حرجاً، فجاز نحرُه قبلَ مكانه لعذرِ المشقة (٣).


(١) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ٢١٨)، و (٢/ ١٥٩)، و "أحكام القرآن" للكيا الهراسي (١/ ١٣١)، و "السنن الكبرى" للبيهقي (٥/ ٢١٧).
(٢) "أيضاً "ليست في "أ".
(٣) تقدمت هذه المسألة سابقاً.
وانظر وجه الاحتجاج للقولين في "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ١٧٥)، و "أحكام القرآن" للجصاص (١/ ٣٤٠)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>