للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول ابنِ عمرَ وسلمةَ بن الأَكْوَع ومعاذِ بنِ جبلٍ وعكرمةَ والحَسَنِ وعَطاءٍ، وهي منسوخةٌ بقولهِ تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]، رواه البخاريُّ عن سلمةَ بنِ الأكْوَعِ وابنِ عمرَ (١).

فإن قلتم: قد روى البخاريُّ عن ابنِ أبي ليلى: أنه قالَ: حدثنا أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نزلَ رمضانُ، فشق عليهم، فكانَ كل من أطعم كلَّ يومٍ مسكيناً، ترك الصومَ ممَّنْ يطيقُهُ، ورخصَ لهم في ذلك، فنسخَها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤]، وأمروا بالصوم (٢)، وهذا نسخٌ لأول هذه الآية بآخِرِها، فهل في القرآنِ يجوزُ أن يُنْسَخَ أولُ الآيةِ بآخرها (٣).

قلت: قال الإمامُ أبو عبدِ اللهِ الشافعيُّ -رحمهُ اللهُ-: لم أعلم أحداً من أهلِ العلمِ بالقرآن يخالفُ في أن الآية كلامٌ واحد، وأنها لم تنزل [إلا] مجتمعةً [بل اتفقوا على أن الآية كلامٌ واحد، نزلت مجتمعةً] (٤) غير متفرقةٍ، وإن كان الآيتان قد تنزلان متفرقتين في سورة واحدة (٥).

وعلى سياقِ كلامِه -رحمهُ اللهُ تعالى- يجب ألا ينسخ آخرُ الآيةِ أوَّلَها؛ لأن النسخ لا يكونُ مع تراخي الناسخِ عن المنسوخِ، فواجبٌ حينئذٍ أن يُؤَوَّلَ كلامُ ابن أبي ليلى على أن الناسخَ قولهُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]، ولهذا قال في آخر كلامه: وأُمروا بالصومِ.


(١) رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم (٢/ ٦٨٧)، كتاب: الصوم، باب: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}.
(٢) رواه البخاري (١٨٤٧)، كتاب: الصوم، باب: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}.
(٣) في "ب": "بآخره".
(٤) ما بين معكوفتين ليس في "أ".
(٥) لم أقف على كلام الإمام الشافعي -رحمه الله- الذي ذكره المؤلف هنا، بعد طول بحث، فالله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>