للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بما ورد في الصحيحين من حديث عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ وَهِيَ حَائِضٌ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ في المسْجِدِ وَهِيَ في حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ (١). ولو كان يجوز للحائض دخول المسجد لدخلت المسجد ورجَّلته فيه.

واعترض عليه: بأنه لا يلزم ذلك؛ لأنه قد يكون في المسجد رجال أجانب أو أن المسجد ليس محلًّا للترجل أو غير ذلك من الأسباب، فليس فيه دلالة على منع الحائض من دخول المسجد.

القول الآخر: يجوز للحائض المكث في المسجد. وهو قول المزني من الشافعية (٢) وقول الظاهرية (٣).

واستدلوا لذلك بما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: لَقِيَنِي رَسُولُ الله وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فقال: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟» فقال له، فقال: «سُبْحَانَ الله يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ المؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» (٤). فإذا كان المؤمن لا ينجس، فهو طاهر، فلا يُمنع من دخول المسجد، وقد يقال: إن المؤمن لا ينجس، أي: طاهر بإيمانه طهارة معنوية، وإن المشرك نجس بالشرك.

واستدلوا بما روى سعيد بن منصور عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، قَالَ: رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولُ الله يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُون؛ إِذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاة (٥).

وجه الدلالة: أنه إذا كان الجنب يجلس ويمكث في المسجد إذا توضأ، فكذا الحائض.

واعترض عليه بأن الحديث في إسناده هشام بن سعد، وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم.

وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ … ﴾ الآية، أي: أن الجنب لا يمكث في المسجد إلا مارًّا به، وهذا أرجح الأقوال في تفسير الآية.


(١) البخاري (٢٠٣١)، ومسلم (٢٩٧).
(٢) «المجموع» (٢/ ١٦٠).
(٣) «المحلى» مسألة (٢٦٢).
(٤) البخاري واللفظ له (٢٨٥)، ومسلم (٣٧١).
(٥) أخرجه سعيد بن منصور (٦٤٦)، وابن المنذر «الأوسط» (١/ ١٠٨) وفي إسناده هشام بن سعد، ضعيف الحديث.

<<  <   >  >>