للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بما روى مسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول الله : «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ المسْجِدِ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ» (١).

وجه الدلالة: أن عائشة دخلت المسجد وهي حائض.

واعترض عليه: بأن إتيان عائشة بالخمرة مِنَ المَسجد ليس بمكث، ولكنه مرور، والمرور للحائض في المسجد جائز.

وأجيب: بأن الحديث مطلق «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ من المسْجِدِ» فدخول عائشة المسجد يشمل المرور والمكث. وقوله : «إن حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ» أي أن يدك هي التي سوف تباشر الخمرة أو الثوب، ويدك طاهرة فليست الحيضة في اليد. وإن كان منع الحائض من المسجد هو تلويثه فلتستثفر بثوب لتمنع.

واعترض عليه بما نقل النووي عن الْقَاضِي عِيَاضٍ قال: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَسْجِدِ، أَيْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ لِتُنَاوِلِهُ إِيَّاهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَهَا أَنْ تُخْرِجَهَا لَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مُعْتَكِفًا وَكَانَتْ عَائِشَةُ فِي حُجْرَتِهَا وَهِيَ حَائِضٌ لِقَوْلِهِ : «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» فَإِنَّمَا خَافَتْ مِنْ إِدْخَالِ يَدِهَا الْمَسْجِدَ، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهَا بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْيَدِ مَعْنًى.

واستدلوا بما رواه البخاري عن عائشة: أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ العَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ، وفيه: .. فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ الله فَأَسْلَمَتْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ في المسْجِدِ … (٢).

فهذه امرأة تنظف المسجد وتمكث فيه، والحيض كتبه الله على بنات آدم، ولم يرد أن النبي أمرها بالخروج من المسجد وقت الحيض.

قال ابن رجب: استدل بحديث عائشة أهل الظاهر على جواز مكث الحائض في المسجد؛ لأن المرأة لا تخلو من الحيض كل شهر غالبًا. وفي ذلك نظر؛ لأنها قضية عين لا


(١) مسلم (٢٩٨).
(٢) البخاري (٤٣٩).

<<  <   >  >>