من غريب ما وقع من بعضهم: أن عابوا الاهتمام بالدعوة إلى الأخلاق، وعدّوه غلواً، ويكاد العاقل لا يصدق هذا، لولا أن رأيناه بأمِّ أعيننا، وسمعناه بآذاننا، ولا يُدرى موقف هؤلاء من الآيات العظيمة، والأحاديث الكثيرة في هذا، وقد وقع هؤلاء القوم في غفلات:
الغفلة الأولى: أن للأخلاق منزلة عظيمة في الدين، قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: (٤)].
وإذا كان البيت يبنى باللبن، ويشد اللبن بالملاط، فإن المجتمع يبنى بالتوحيد، ويشد أفراده بعضهم إلى بعض بالأخلاق، ولا قيام لمجتمع بتوحيد دون أخلاق، قال تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ... } [آل عمران: (١٥٩)] ومعنى ذلك: أنهم يتفرقون عنك ولا يجتمعون، رغم ما أنت عليه وهم من التوحيد الخاص، والإخلاص العظيم، وأن التوحيد المجرد عن الأخلاق، لا يجمع أمة، ولا يوحد صفاً.
وفي مقام الأخلاق وأهميته قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) [رواه أحمد (٢/ ٣٨١) والحاكم في المستدرك (٢/ ٦١٣) عن أبي هريرة، وقال صحيح على شرط مسلم، وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة (٤٥)].
ولما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الجنة، قال:((تقوى الله وحسن الخلق)) [رواه أحمد (٢/ ٢٩١) والترمذي (٤/ ٣٤٣) ابن ماجه (٤٢٤٦) عن أبي هريرة، وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة رقم (٩٧٧)].
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً)) [رواه أحمد (٢/ ٢٥٠) وأبو داود (٤٦٨٢) والترمذي (١١٦٢) عن أبي هريرة، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الترمذي (٩٢٨)].
وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن امرأة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها، قال:((لا خير فيها هي من أهل النار)) [رواه أحمد (٢/ ٤٤٠) والبخاري في الأدب المفرد (١١٩) والحاكم (٤/ ١٦٦) عن أبي هريرة، وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة (١٩٠١)].