للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتارةً يخبرُهم أنهُ لا يمنعهُ من الإتيانِ بها إلا الإبقاءُ عليهم، وأنها لوْ جاءَتْ لا يؤمنونَ، فعندَ ذلكَ يعاجلُهم اللهُ بالعقابِ.

وتارةً يبينُ لهم أنَّ الرسولَ إنما هوَ نذيرٌ مبينٌ، ليسَ لهُ من الأمرِ شيءٌ، ولا من الآياتِ شيءٌ، وأنَّ هذا من عندِ اللهِ، فطلبُهم من الرسولِ محضُ الظلمِ والعدوانِ، وهذهِ المعاني في القرآنِ كثيرةٌ بأساليبَ متعددةٍ.

وأحيانًا يقدحونَ في الرسولِ قدحًا يعترضونَ فيه على اللهِ، وأنهُ ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١]، ومحمدٌ ليسَ كذلكَ، وأنكَ -يا محمدُ- لستَ بأَوْلى بفضلِ اللهِ منَّا، فلأيِّ شيءٍ تفضُلُ علينا بالوحيِ، ونحوه من الأقوالِ الناشئةِ عن الحسدِ.

فيجيبُهم اللهُ بذكرِ فضلهِ، وأنَّ فضلَهُ يؤتيهِ مَنْ يشاءُ، وأنهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالتَهُ والمحلَّ اللائقَ بها، ويشرحُ لهم من صفاتِ رسولهِ التي يشاهدونَها رأيَ عينٍ ما يعلمونَ هم وغيرُهم أنهُ أعظمُ رجلٍ في العالمِ، وأنهُ ما وُجِدَ ولنْ يوجدَ أحدٌ يقارِبهُ في الكمالِ، مؤيدًا ذلكَ بالأمورِ المحسوسةِ والبراهينِ المسلمةِ، وقدْ أبدَى اللهُ هذهِ المعانيَ وأعادَها معهم في مواضعَ كثيرةٍ.

* ومن مقاماتهِ معَ المؤمنينَ: الرأفةُ العظيمةُ، والرحمةُ لهم، والمحبةُ التامةُ، والقيامُ معهم في كلِّ أمورِهم، وأنهُ لهم (١) أرحمُ وأَرْأَفُ من آبائِهم وأمهاتِهم، وأحنى عليهم من كلِّ أحدٍ، كما قالَ تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)[التوبة: ١٢٨]، ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ


(١) في (خ): بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>