* ومنْ مقاماتهم معَ النبيِّ ﷺ: أنهم يسعونَ أشدَّ السعيِ أنْ يكفَّ عن عيبِ آلهتِهم، والطعنِ في دينِهم، ويحبونَ أنْ يتارِكَهم ويتارِكُوهُ؛ لعلمِهم أنهُ إذا ذكَرَ آلهتَهم، ووصفَها بالصفاتِ التي هيَ عليهِ من النقصِ، وأنهُ ليسَ فيها شيءٌ من الصفاتِ يُوجِبُ أنْ تستحقَّ شيئًا من العبادةِ؛ يعرفونَ أنَّ الناسَ يعرفونَ ذلكَ، ويعترفونَ بهِ، فلا أحبَّ إليهم من التزويرِ، وإبقاءِ الأمورِ على علاتِها من غيرِ بحثٍ عن الحقائقِ؛ لأنهم يعرفونَ حقَّ المعرفةِ أنَّ الحقائقَ إذا بانَتْ ظهَرَ للخلقِ بطلانُ ما هم عليهِ، وهذا الذي منهُ يفرونَ.
وهذا المقامُ أيضًا ذكرَهُ اللهُ في آياتٍ متعددةٍ، مثلَ قولهِ: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] ونحوِها من الآياتِ.
وأمَّا قولهُ تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨] فهذا إذا ترتَّبَ على السبِّ المذكورِ سبُّهم للهِ فإنهُ يُترَكُ؛ لما يترتبُ عليهِ من الشرِّ.
* ومن مقاماتِهم المتنوعةِ معَ النبيِّ ﷺ: أنهم كانوا يقترحونَ الآياتِ بحسبِ أهوائِهم، ويقولونَ: إنْ كنتَ صادقًا فأتنا بعذابِ اللهِ، أو بما تعدُنا، أو أزِلْ عنا جبالَ مكةَ، واجعلْ لنا فيها أنهارًا وعيونًا، وحتى يحصلَ لكَ كذا وكذا مما ذكرَهُ اللهُ عنهم.
فيجيبُهم اللهُ عن هذهِ الأقوالِ بأنَّ رسولَهُ ﷺ قدْ أيدَهُ اللهُ بالآياتِ، واللهُ أعلمُ بما ينزلُ من آياتهِ، وأعلمُ بما هوَ أنفعُ لهم، وأنهُ قدْ حصلَ المقصودُ من بيانِ صدقهِ، وقامَتِ الأدلةُ والبراهينُ على ذلكَ. فقولُ الجاهلِ الأحمقِ: لوْ كان كذا وكذا، جهلٌ منهُ، وكبرٌ، ومشاغبةٌ محضةٌ.