قد أنزل إليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة (مرتين) أي ناداهم مرتين (قال) أنس: (فمالوا) أي استداروا من جهة بيت المقدس (كما هم ركوع) الكاف للمبادرة، قاله الحافظ، قال الكرماني: للمقارنة، و"هم" مبتدأ، و "ركوع" خبره (إلى الكعبة).
قال الحافظ: ووقع بيان كيفية التحول في حديث تويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم، وقالت فيه: فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام.
قلت: وتصويره أن الإِمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد, لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، ولما تحول الإِمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه، وتحول النساء حتى صرن خلف الرجال، وهذا يستدعي عملًا كثيرًا في الصلاة، فيحتمل أن يكون وقع ذلك قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام، ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة، أو لم تتوال الخُطا عند التحويل بل وقعت مفرقة.
وفي هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر طريق العلم به, لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جهته، ووقع تحولهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد.
وأجيب بأن الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر، فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلَّا بما يفيد العلم، وقيل: كان النسخ بخبر الواحد جائزًا في زمنه - صلى الله عليه وسلم - مطلقًا، وإنما منع بعده، ويحتاج إلى دليل.
واستدل البخاري بهذا الحديث لمن لم يرَ الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة.