اشْتَمَلَت عليه، تَقَعُ جَمِيعُها في الفَنِّ الأوَّل من المَقَالَة الخَامِسَة التي خَصَّصَها النَّدِيمُ للحَدِيثِ عن المُعْتَزِلَة ومُصَنَّفَاتِ عُلَمَائِهِم [٦٠٦:١ - ٦٠٩].
وكان أوَّلَ من عَرَّفَ بهذا الكِتَابِ المهم ونَشَرَهُ في العَصْرِ الحديث، المُسْتَشْرِقُ الألماني جوستاف فليجل GUSTAVE FLUGEL ، (١٨٠٢ - ١٨٧٠ م)، إذ قَدَّمَ له أَوَّلَ نَشْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ، صَدَرَت في جُزْءَيْن بعد وَفَاتِه في سَنَتي ١٨٧١ - ١٨٧٢ م، وهي نَشْرَةٌ مَعِيبَةٌ تَنْقُصُ أكثر من نِصْفِ الفَنِّ الأَوَّل من المقالة الخَامِسَة الخاصة بمُصَنِّفي المُعْتَزِلَة، واعْتَمَدَتْ على النُّسَخِ الجزئية للكتاب التي كانت مَعْرُوفَةً في مَكْتَبَاتِ أوروبا في ذلك الوقت (في باريس ولَيْدن وفيينا)، وجَمِيعُها نُسَخُ غير مَوْثُوقِةٍ لا تَصْلُحُ أَسَاسًا لأي نَشْرٍ عِلْمِي، وعَدَّهَا المُسْتَشْرِقُ الألماني هِلْمُوت رِيتَّر HELLMUT - RITTER الذي تَوَفَّرَ بعد ذلك على دِرَاسَةِ نُسَخِ الكِتَابِ المَحْفُوظَة في مَكْتَبَاتِ إستانبول - نُسَخًا من الدَّرَجَةِ الثَّالِثَة. فقد تَدَخَّلَت في أصُولِهَا أَيْدي العُلَمَاءِ والنسَّاخ بالإضافة والزِّيَادَةِ، على الأقل حتى نِهَايَةِ القَرْنِ السَّادِسَ الهِجْرِي الثَّانِي عَشَرَ الميلادي، بحيث إن ما تمثله هذه النَّشْرَةُ لا يُعَبِّر تَعْبِيرًا دَقِيقًا عن الأصل أو الدستور الذي تَرَكَهُ لنا محمَّد بن إِسْحَاق النديم. فقد تَأكَّد لنا بما لا يَدَعُ مَجَالًا للشَّك، أَنَّ محمَّد بن إسْحَاق النَّدِيم تُوفي في ٢٠ شَعْبَان سَنَة ٣٨٠ هـ/١٨ نوفمبر سنة ٩٩٠ م [فيما يلي ١٨]، الأمْرُ الذي يَعْني أَنَّ جَمِيعَ التَّوَاريخ اللَّاحِقَّة لهذا التاريخ، الواردة في الكتاب لَيْسَت من عَمَلِ النَّدِيم وإِنما أَضَافَها أَشْخَاصٌ آخَرُون فيما بَعْد إلى الكِتاب.
ولعَلَّ سَبَبَ ذلك رَاجِعٌ إلى أنَّ النَّدِيمَ نفسه تَرَكَ في دُسْتُورِه الذي كَتَبَهُ بخَطِّه فَرَاغَات كَثِيرَة تَتَعَلَّقُ بِأَسْمَاءِ المُؤَلِّفين وتَوَاريخ وَفَيَاتِهم وعَنَاوِين كُتُبهم، وبَلَغَت هذه الفَرَاغَاتُ أحْيَانًا ما بين كَلِمَةٍ أو عِبَارَةٍ ورُبع صَفْحَة وصَفْحَةٍ كاملة - على الأخص في المقالات الأرْبَعِ الأخيرة - وتَدُلُّ هذه الفَرَاغَاتُ جَمِيعُها على أنَّه لم يتمكن من إعَادَةِ النَّظَرِ في هذا الدُّسْتُور واسْتِكْمَالِ المَعْلُومَاتِ التي بَيَّضَ لها، وتُشْعِرُنَا كما لو أَنَّنَا أَمَامَ مُسَوَّدَةٍ غير مُكْتَمِلَة.