هذا كِتَابٌ مُؤسِّس في حَرَكَةِ رَصْدِ الإنْتاجِ الفِكْرِي العربي الإسلامي وإِسْهَامَاتِ العُلَمَاءِ العَرَب والمسلمين في الحَضَارَةِ الإِنْسَانِيَّة حتى نحو نِهَايَة القَرْنِ الرَّابع الهِجْرِي / العَاشِرِ الميلادِي - عَصْرِ النَّهْضَةِ في الإسلام - الذي بَلَغَت فيه الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ أَوْجَ عَظَمَتِها، وازْدَهَرَت فيه حَرَكَةُ التَّألِيفِ والتَّرْجَمَة والنَّقْل، واتَّضَحَ فيه إِسْهَامُ العُلَمَاءِ العَرَب والمُسْلِمين في تَطَوُّرِ العِلْمِ الإِنْسَانِي، واسْتَوَت فيه الأفكار والمذاهب الكلامية والفقهية والنَّقْدِيَّة، واكتملت فيه المدارس النحوية واللُّغَوِيَّة والتَّارِيخِيَّة التي أثرت في تَطَور حَرَكَة التَّأليف الإسلامي في العُصُورِ التّالية.
فكِتَابُ "الفِهْرِسْت" أو "الفِهْرِست" في أَخْبَارِ العُلَمَاءِ المُصَنِّفين من القُدَمَاءِ والمُحْدَثين وأَسْمَاءِ ما صَنَّفُوهُ من الكُتُبِ" لأبي الفرج محمد بن أبي يَعْقُوب إسْحَاق النَّدِيم الوَرّاق، المتوفَّى في ٢٠ شَعْبَان سَنة ٣٨٠ هـ/ ١٨ نوفمبر سنة ٩٩٠ م، هو أهمُّ كِتَابٍ غير مَسْبُوقٍ يَرْصُدُ حَرَكَةَ التَّالِيفِ في العَالَمِ الإِسْلامِي - وعلى الأخصِّ في مَشْرِقِ هذا العَالَم - على امْتِدَادِ القُرُونِ الأَرْبَعَة الأولى للإسلام. فهو يُقَدِّمُ لنا في الوَاقِع أَوَّلَ رُؤيَةٍ شَامِلَةٍ للثقافة العربيَّة حتى عَصْرِه، هذه الثَّقَافَةُ التي تَميَّزَت بانْفِتَاحِها على جَمِيعِ التَّيَّارات الفكرية، بحيث إِنَّ الحَضَارَة الغربية لم تَعْرِفْ على الإطلاق كتابًا مُماثِلًا حتى بدَايَة ظُهُورِ الطَّبَاعَة في نهاية القَرْن الخامس عشر للميلاد.
ورَتَّبَ محمَّد بن إِسْحَاقٍ النَّدِيم، الذي نَدِينُ له بِأَقْدَمِ عَرْضٍ مَنْهَجِيّ للتُّرَاثِ العربي كله، كتابَهُ في عَشْرِ أَجْزاءٍ أطْلَقَ عليها النديم مقالات. تَنَاوَلَ في المقالاتِ