واعلم أنه يمكن فرض الكلام في صورة يسقط هنا كثير من الأسئلة، وهي ما إذا جمعت لبن زوجة أخيك وأختك، وجعلته في حلق المرتضعة دفعة واحدة؛ فإنها تحرم عليك؛ لأنك خالها وعمها، ولا تتوجه في هذه الصورة أكثر تلك الأسئلة.
المسألة الثانية: الحق أنه لا يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين؛ والدليل عليه وجهان:
الأول: أن الإنسان، إذا أعطى فقيرا فقيها، احتمال أن يكون الداعي له إلى الإعطاء كونه فقيرا فقط، أو كونه فقيها فقط، أو مجموعهما، أو لا لواحد منهما: فهذه الاحتمالات الأربعة متنافية؛ لأن قولنا:"الداعي له إلى الإعطاء هو الفقير لا غير": ينافى أن يكون غير الفقر داعيا، أو جزءا من الداعي.
وإذا كانت هذه الاحتمالات متنافية، فإن بقيت على حد التساوي، امتنع الحصول؛ لظن حصول كل واحد منها على التعيين؛ فلا يجوز الحكم بكونه علة- وإن ترجح بعضها، فلذلك الترجيح يحصل بأمر وراء المناسبة والاقتران؛ لأن ذلك مشترك بين الأربعة؛ وحينئذ: يكون الراجح هو العلة، دون المرجوح.
الثاني: أن الصحابة أجمعوا على قبول الفرق؛ لأن عمر، لما شاور عبد الرحمن في قضية المجهضة، قال:"إنك مؤدب، ولا أرى عليك شيئا" فقال على: "إن لم يجتهد، فقد غشك، وإن اجتهد، فقد أخطأ، أرى عليك الغرة".
وجه الاستدلال به: أن عبد الرحمن شبهه بالتأديب المباح، وأن عليا فرق بينه وبين سائر التأديبات؛ بأن التأديب الذي يكون من جنس التعزيزات لا تجوز فيه